في متناولنا لمفهومي المقاومة والإرهاب، لابد وأن نتوقف أمام حالة الالتباس والغموض التي فرضت نفسها على هذين المفهومين، حيث نلاحظ كيف تتعمد الآوساط السياسية والثقافية الأمريكية والرأسمالية الغريبة عموماً و”إسرائيل” على وجه الخصوص، بأن تجعل مقاومة الشعوب المستعمرة والمضطهدة ارهاباً، ومن ارهاب النظام الراسمالي وحليفه الصهيوني عملاً مشروعاً، وبالتالي فإن هذا الالتباس أو الغموض ليس في حقيقته إلا محاولة لطمس الحقيقة الموضوعية التي تفصل بصورة لا لبس فيها بين المقاومة المشروعة من ناحية وبين الإرهاب الامبريالي والصهيوني من ناحية ثانية، وهي منهجية مرتبطة باختلال التوازن بين حركات التحرر العالمية والبلدان الفقيرة من جهة، ونظام العولمة الرأسمالية وحليفه الصهيوني من جهة ثانية.
يذكر الباحث الفلسطيني غازي الصوراني أن أي باحث موضوعي أو محايد، في تناوله لمفهومي المقاومة والإرهاب وتطبيقهما على الحالة الفلسطينية، سيجد نفسه – لا محالة – مضطراً للفصل بين المفهومين بحيث تتبدى بوضوح الممارسات العدوانية الهمجية الإسرائيلية كتجسيد لمفهوم الإرهاب الذي مورس على الشعب الفلسطيني وادى إلى اقتلاعه من أرض وطنه، واستمرار حرمانه من السلام العادل الذي يحقق أهدافه الوطنية في العودة وتقرير المصير والدولة وفق قرارات الشرعية الدولية، التي يناضل من أجل تنفيذها مستخدماً في ذلك كل أشكال النضال السياسي والمسلح التي لايمكن تفسيرها إلا شكلاً من المقاومة المشروعة التي اقرّتها المواثيق الدولية، وهي مقاومة ترتكز بصورة أساسية إلى إرادة هذا الشعب أكبر بما لا يقاس من ارتكازها إلى معدات القتال التي لا يملك منها شيئاً بالقياس إلى الآلة العسكرية الضخمة التي يمتلكها العدو الإسرائيلي بدعم لا محدود من الولايات المتحدة.
إن الفلسطيني وهو يقاوم يسعى إلى الحرية والانعتاق لكي ينال المواطنة على أرضه ودولته، وتنتهي إلى الأبد صفة الضحية التي لازمته حتى اللحظة بسبب المغتصب والقاتل الصهيوني الذي يحاول القضاء على كل آماله في الحرية والحياة….فمن هو الارهابي إذن؟ أهو الذي يناضل من اجل حريته واستقلاله وحياته الكريمة الآمنة؟ أم ذلك العدو الصهيوني الذي اغتصب فلسطين بدواعي المصالح الرأسمالية العالمية دون أي مسوغ أو حق تاريخي فيها على الإطلاق، ويمعن في تكريس هذا الاغتصاب برفضه القبول بقرارات الشرعية الدولية، رغم أن الضحية قد اكرهت على قبول تلك القرارات في ظل متغيرات وأوضاع دولية وعربية، عززت النزعة التوسعية الصهيونية، وأدت إلى هذا الاختلال العميق في ميزان القوى لصالح الكيان الإسرائيلي الذي استمر في ضمّ الأراضي الفلسطينية وتجزئتها وتحويلها إلى كانتونات تحاصر الشعب الفلسطيني من كل جانب رافضاً قرارت الجمعية العامة ومجلس الأمن وقرار محكمة لاهاي بخصوص الجدار التوسعي، من أجل تحقيق هدفه في إذلال الشعب الفلسطيني وفرض الاستسلام عليه عبر ممارسة كل أصناف الإرهاب…الأمر الذي فرض على هذا الشعب أن يتصدى لهذا الإرهاب بكل أشكال المقاومة كحق وواجب وطني أقرّته المواثيق الدولية، ما يجعل من المقاومة الفلسطينية من أجل الحرية والعودة هي النقيض الحقيقي للإرهاب الصهيوني.
إن الحل العادل للقضية الفلسطينية لابد أن ينبع من ضمير البشرية المتحضرة، وأن يستنتد إلى قواعد القانون الدولي والشرعية الدولية، وأن يتمشى مع القرارات التي لا حصر لها والتي صدرت عن هيئة الأمم المتحدة في هذا الشأن.
ومحور هذا الحل لابد أن يقوم على احترام حق تقرير المصير للشعب العربي الفلسطيني وفي إقامة دولته المستقلة، وحق العرب الفلسطينين الذين طردوا من بلادهم في العودة إليها، وحق جميع البشر على أارض فلسطين بكل اجزائها، في الحرية والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان.
إن الأطماع الاستعمارية والتوسعية والعنصرية للصهيونية الدولية وللقوى الحاكمة في إسرائيل، وما تلقاه هذه الدول من دعم سياسي واقتصادي وعسكري مستمر ومتزايد من الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك ضعف وتفكك العالم العربي وخضوع العديد من نظمة للنفوذ الأمريكي وافتقاره إلى الحد الأدنى الضروري من التضامن وفشل المنظمات الدولية المعنية حتى الآن في الزام المعتدين الاسرائيلين باحترام القوانين والأعراف الدولية وقرارات الأمم المتحدة المتلاحقة في شأن القضية الفلسطسينية، كل ذلك قد حال دون التوصل إلى حلٍ حقيقي لتلك القضية.