يهنئ المنبر التقدمي عبر قطاع النقابات العمالية والمهنية عمال البحرين والعالم أجمع بذكرى عيد العمال العالمي الذي يحل علينا مرة أخرى في ظل جائحة كورونا وأوضاع العمال حول العالم التي ذهبت بنا من سوء إلى أسوأ خلال عام من الجائحة، وجعلت العمال في البحرين وفي العالم يدفعون ضريبة تدهور الوضع الاقتصادي مما أدى إلى تسريحات من الأعمال وفرض ضغوطاً شتى على العمال تفاقمت مع عدم وضوح الرؤية ذات المضامين التي تأخذ في أولوياتها ضمان الاستقرار والأمن الاقتصادي والاجتماعي لحياة القطاع العريض من العمال والأسر البحرينية، لاسيما في ظل ما فرض علينا من اشتراطات من جانب البنك وصندوق النقد الدوليين وهو الأمر الذي سلب ما تحقق من مكاسب للفقراء والكادحين والمساس بمستوى معيشتهم جراء ما فرض من ضرائب ورسوم أثقلت كاهل العمال والطبقة المتوسطة.
وفي هذه المناسبة لابد أن نشير إلى ملف التأمينات الاجتماعية، الذي لازال ملتهباً ولا تزال كل التحذيرات التي أطلقناها خلال عقدين من الزمن مستمرة. وما وصلت إليه لجنة التحقيق البرلمانية من نتائج ما هي إلا برهان آخر يعزز ما ذهبنا إليه، وكان من الواجب على الحكومة الأخذ بتوصيات لجنة التحقيق البرلمانية التي لم يؤخذ بما خرجت إليه من نتائج بدليل التعديلات الحكومية الأخيرة على قانون التأمينات الاجتماعية وهي مع الأسف غير منصفة وظالمة للأغلبية الشاسعة من العمال والمتقاعدين وتتجاهل العديد من أسباب العجز مثل الرواتب التقاعدية العالية للوزراء وكبار المسئولين وإضافة الالتزامات المالية لتقاعد النواب إلى التأمينات الاجتماعية دون تمويله إضافة إلى سوء الإدارة وارتفاع المصاريف الادارية وعدم وجود رؤية استراتيجية واضحة لاستثمارات هيئة التقاعد بما ينهض بواقع الهيئة في مختلف الجوانب.
وعليه نشدد وننبه الجميع أن هذا الملف لم ينتهي وإن طال أمده وأن على الجميع أفراداً وجمعيات ونقابات واتحادات نقابية مسئولية كبيرة في مواصلة الضغط بهدف المحافظة على المكتسبات العمالية والوصول إلى حلول عادلة وأكثر فاعلية لإخراج التأمينات الاجتماعية من وضعها الراهن، ومن نفق العجز الاكتواري المظلم. داعين الجميع إلى تكثيف الضغط على مجلس النواب لوضع ملف التأمينات الاجتماعية في صدارة الاهتمام الجدي والرفض الحازم للمشاريع التي تنتقص من الحقوق والمزايا التقاعدية لعمال.
ومن جهة أخرى ندعو كل الأطراف المعنية إلى الالتفات إلى قطاع العمالة الغير منظمة والتي تتنامى وتقدر بربع العمالة الوطنية والعاملة في المهن والحرف والمشاريع المنزلية والمشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، وهؤلاء غير مسجلين في التأمينات الاجتماعية مما ينذر بكارثة مستقبلية لعدم توفر الأمان الاجتماعي مما سيؤدي إلى أعباء مستقبلية كبيرة على الحكومة والمجتمع، ومن الأجدى البدأ بحوار اجتماعي يهدف لحماية هذه الفئة من الفقر والعوز، مجددين التأكيد بأن التأمين الاجتماعي هو أحد أهم مقومات السلم المجتمعي وهو ما لا يمكن التنازل عنه بأي حال من الأحوال.
كما نجدد دعوتنا إلى مراجعة سياسات العمل بشكل شامل، فبعد عقدين من مشروع إصلاح سوق العمل تدهورت أحوال العمالة الوطنية وعرّت الجائحة بشكل فاضح النتائج العشوائية للقرارات والسياسات ذات الصلة بسوق العمل، خاصة من خلال تصريح العمل المرن، والبحرنة الموازية التي ألغت فعليا كل التزام للبحرنة، قابله سوء إدارة وزارة العمل لملف العاطلين مما نتج عنه انخفاض مروع لنسبة العمالة الوطنية في سوق العمل وارتفاع كبير لأعداد العاطلين عن العمل وزج بأعداد كبيرة للتقاعد المبكر، مما ساهم في إثقال كاهل التأمينات الاجتماعية وإحداث اختلال مجتمعي اقتصادي كبير.
إننا نطالب كل المعنين وعلى رأسهم وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، والاتحادات النقابية إلى وضع هذا الملف في صدارة الأولويات والعمل على مراجعة أمينة وشفافة للوضع الراهن لسوق العمل بما يدفع إلى رسم التوجهات المستقبلية الهادفة إلى تعديل الوضع المعوج وتقديم مصلحة العمالة الوطنية وجعلها فوق كل الاعتبارات.
إن عالم أسواق العمل اليوم تتغير بسرعة كبيرة خاصة في ضوء الجائحة التي ساهمت في تسريع وتيرة تحولات عديدة فرضت تعاملات ومفاهيم جديدة، بالإضافة إلى سلبيات ألقت بضلالها الثقيلة على وضع العمال والموظفين، لا سيما في ضوء التحول المتنامي للشركات والمؤسسات المالية وغيرها من مؤسسات الأعمال نحو الرقمنة والمستجدات والتحولات الغير مسبوقة مع المفاهيم والمتطلبات الجديدة التي يشهدها العالم اليوم.
هذا التوجه العالمي وبالتبعية محلياً خطير جداً، سوف يخلق عشرات المشكلات الاقتصادية والقانونية والتنظيمية التي ينبغي التوقف عندها ودراستها بعمق، خاصة في ظل التشوهات الحاصلة حالياً في سوق العمل البحريني والذي لازال وللأسف ليس في صالح العمالة البحرينية، وهو الأمر الذي يتطلب مراجعات جدية على قانون العمل والسياسات والتوجهات ذات الصلة بسوق العمل والوضع الاقتصادي.
يدعونا ما ذكرناه أعلاه لتوقع ارتفاع أعداد العاطلين عن العمل خلال هذا العام والأعوام القادمة ويدعم ذلك ما خرجت به بعض الدراسات والتوقعات من ارتفاع نسبة البطالة في صفوف أبناء البحرين وهي قضية شائكة مجتمعياً ويعاني منها كل بيت في البحرين وبحاجة إلى تصدي أمين يعالج الأسباب بدلاً من تقديم الحلول الترقيعية، وهذا ما لن يتحقق برأينا دون المراجعة الشاملة لسياسيات العمل.
ندعو كل الجهات الرسمية المعنية إلى الشفافية والمطلوبة حيال هذا الملف والتعامل بدقة مع الأرقام لا سيما من خلال احتساب نسبة البطالة بمقارنة العاطلين عن العمل المسجلين لديها فقط نسبة إلى مجموع القوى العاملة واستثناء الآلاف من قوائم العاطلين من خلال التلاعب في الاجراءات وإعطائهم فرص عمل غير مناسبة لارغامهم على رفضها، والعمل بشفافية وجدية لتحسين وضع العاطلين عن العمل وتوفير وظائف مناسبة لهم.
على الرغم من التحديات الكبيرة والمصاعب التي تواجه الحركة العمالية والهجمة الشرسة على الحقوق العمالية، فإننا نلمس وللأسف تنامي الضعف في البناء النقابي وتدهور تنظيمي وتفكك مؤسف للحركة النقابية وغياب للموقف الجاد من الحقوق النقابية والعمالية لمن يتصدر المشهد النقابي وانشغالهم بالمشاكل الداخلية دون تحرك جاد لحلها، وهذا وضع علينا جميعاً مسئولية معالجته بأسرع ما يمكن في سبيل النهوض الفعلي للحركة العمالية والنقابية.
ويؤشر على ذلك عشرات طلبات الدعم والمساندة من العمال التي تستلمها “كتلة تقدّم” والتي نحييها بهذه المناسبة على دورها في الدفاع عن العمال وقضاياهم سواء بالدعم المباشر أو من خلال مشاريع القوانين المقدمة لمجلس النواب ومواقفهم جميعها المنحازة لمصالح العمال، يؤشر هذا إلى غياب دور النقابات والاتحادات العمالية التي يتوجب تمكينها من أخذ الدور المطلوب في التصدي للقضايا العمالية.
ختاماً؛ يؤسفنا مجدداً أن نحتفي بعيد العمال العالمي عن بعد هذا العام أيضاً، كما نستذكر ونحيي المناضلين العمالين الباقين والراحلين ونعدهم بمواصلة الدرب على مسارهم حتى تحقيق عالم أفضل للكادحين.
عاش الأول من مايو عيداً لعمال البحرين والطبقة العاملة في كل أرجاء العالم، ويوماً للتضامن مع العمال وكفاح الشعوب وفي مقدمتهم الشعب الفلسطيني في نضاله العادل ضد الاحتلال الصهيوني، وقيام دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. مجددين رفضنا القاطع للتطبيع مع الكيان الصهيوني.
المنبر التقدمي – البحرين
1 مايو 2021