بدء حكمتي وانتهاؤها
لي قد تجلّيا :ماالذي سمعته؟
رنينه الآن مختلف تماما
لا أسمع غير آه وأوّاه!
غير اجترار شبابي القديم
نيتشه
لا أعرف لماذا تسحبني المقاهي لحكاياها، رغم أني لست ممن يطوف بها كثيراً، لكنها تتربص بي لتسقيني شاياتها المبتكرة، كان يوما شاقا أشعل في جسدي فتيل التعب حين حدثتني لتدعوني للخروج ،أخبرتني بحاجتها الملحة للتغيير، غريبة هي، تحاصرها وحدة قاتلة، كان للاعتذار طعم الخيبة. سار بنا الوقت وسرنا به حتى استقرّ بنا في مقهى شعبي. أخذتني رائحة السمك المشوي لطفولة يزخر بها البحر قبل أن يقرر الرحيل تاركا زرقته تجلدنا كل يوم ربما مل قنانينا التي كنا نحشوها ألما وخيبة، حزناً نتفرد به، استغاثات لا تسمع، مواويل نحفظها لنرددها عنده وبين آه وآه كان يتسرب منا، فاض به الحزن وامتصّ ما تبقى من مياهه فأصبحنا ننوء بحزننا حيث لا معبر له، لا بحر نخبئ الحزن في ماءه، ولا طبيعة نتكئ على لونها لتخضر قلوبنا من جديد،كنت أغوص بهمومي فأشرد عن حديثها كثيرا،لكنها سحبتني لصوتها وهي تردد كلمة سر نحن النساء كم نحب هذه الكلمة ، أقسمت بأغلظ الإيمان أن لا أخبر أحداً. كنت صادقة جداً وأنا أردد اسم الله. ضحكنا حين علقتُ على طرق القسم التي كنا نقولها ونحن صغار.
(والله العظيم، في ذمتي، في صلاة أمي وأبوي)…هي ثقافتنا ياعزيزتي تاريخنا الذي تجهلين، براءة قلوبنا الندية، أفياء النخل المزروع بعروقنا،حتى تعرفي ذلك لابد أن تشربي ملح البحر، لابد أن ترتسم الخرائط على جسدك وأنت تغازلين بحرا كان جارا لك،
قولي …. فللأسرار لذة لذيذة فبوحي بما لديك، أخبرتني حينها أنها تحب هكذا بكل بساطة لولا الناس لصرخت من فرحتي، سعدت كثيراً بهذا الخبر، خاصة وأنا أعرف كم تحتاج لهذا الحب، كان الفضول يبعثر ألوانه على ملامحي وأنا أسألها عمن يكون ……… كانت الإجابة (…..) صارخة، مميتة، قاتلة، إنه هو حبيبي كدت أصرخ بها، لكني تعقلت ورددت بيني وبين نفسي هذا حبيبي يا عزيزتي، هذا الذي يبعث الهواء في الهواء كي أتنفس حين تمر بي أزمة الربو أو حين تنفث مصانعنا سمومها على صدري فأقبل الأرض من أجل نسمة هواء لولاه لكنت اختنقت يا صديقتي، عذرك أنك لا تعرفين، كنتِ كثيرا ما تسألينني عما إذا كنت أحب فأخبرك كذبا بأن قلبي يغرد وحيداً لا لسبب سوى أنه كان يحب أن أبقي علاقتي به سرية حتى لا تسلط علينا العيون فنسعد بحبنا، كانت تكمل حديثها بينما عقلي يفكر بسرعة أية قدرة هذه التي تمتلكها عقولنا على التفكير في ثواني بسيطة كنت أمر بكل محطاتنا، كل البساتين التي زرعنا نخيل مشاعرنا عليها، كلما رسمت لوحة كنت أستمدها من شموخ عينيه كان يحب النخيل كثيرا وكنت أسرف في رسمها حتى أن أحد أصدقائي يسميني بالسيدة نخلة، أكان يستمد شموخه منها أم انه سرق الخضرة وخبأها بقلبه، أم من العناقيد كان عطاءه ودفء مشاعره إنه حبيبي يا صديقتي فلا تدمي قلبك وقلبي، تقولين يحبك ؟
نعم أخبرني منذ ثلاثة شهور أنه يحبني، قال بأنه يجهل كيف تسرب الحب لقلبه هو البتول الذي ماعرف الحب، يبدو أنني حللت عقدته، هل كان يحتاج لحب مستورد كي يتقن فعل الرجولة، قولي لي هل أنا جميلة؟ نعم ياحبيبتي جميلة جدا والدليل أنك أوقعتي به …. يعود عقلي لتفكيره السريع تطوحني الأسئلة قلبه بتول لابد أنها كاذبة، كم يحتوي ضميرك من كذب لايطاق بدأت أضيق بكلي وبك وبالسمك والناس ، لكن لا هي لاتكذب كأني سمعت هذه الجملة من قبل
( أجهل كيف تسرب الحب لقلبي، إنها أنتِ وعيناكِ التي انطقت شراييني). هي قالت تسرب الحب لقلبه هذا كلامه، هذا ماقاله لي ذات بوح، لا هي حتماً كاذبة، كانت ابتسامتها تشرق بالمكان لتبوح بسعادتها، ياربي أي ارض تلك التي تحتملني، سأريك شيئا اختبأت داخل حقيبة يدها الكبيرة، تفتش عن سكين أخرى لتطعنني بها، أخرجت هاتفها النقال، وراحت تبحث في رسائلها وبدأت تقرب شاشته من عيني، هذه رسالة منه (…………………..) إنها الرسالة التي أرسلها لي البارحة، يا إلهي .. رسالة أخرى.. وأخرى كلها ياعزيزتي تسكن صندوق الوارد في هاتفي.
ست سنوات مضت على ما أظن، ست سنوات وأنا….. بماذا أصف نفسي ؟ أمشي على الجليد فتتجمد أطرافي لا… هي نار تحرقني، صوتك ياصديقتي تحول لنقيق ضفادع، هل تسكتين، دقائق فقط لألملم أطراف الحزن الخانق، هل أخبرها وأقضي على هذا الفرح، هل أصمت، كدت أكسر أصابعي من الطرقعة كحالي كلما استبد بي قلق ما، أيتها السماء ألن تمطريني برحمتك، لماذا أفقد السيطرة، أنا عاجزة تماماً، كان خالي يقول أنت لاتشبهين النساء، راقية كشمس، شامخة كنخلة، متلألئة كنجمة أفسدتني ياخالي بتكرار كلامك، أمي…. لماذا أحسنت تربيتي؟ لماذا أرضعتني قيمك؟ أريد أن أخبرها وأمزق سعادتها أجمع أشواك السمك وأغرسها في جسدها أو جسده، أخنقها بشالها ، أسلط عليه من يوسعه ضربا، أرمي عليه كل الشتائم ، قلت له يوما أني سأقتله لو خانني ،سأقتله إذن، عيناها وهذا البريق أعرفه تماما كان يرافقني وأنا أنظر لعينيه أو حين أخلو بألواني أبعثرها على نخلاته، مرة رسمت النخلة بلون برتقالي ومرة أخرى كانت سطوة الأحمر تخترق سعفات نخلاتي أما حين جربت أن ألون السعفات بألوان مختلفة كنت متيمة حينها بدت السعفات مزهوة بألوانها كقلبي وهو يزهو بصدقك،عدت للبيت وإخطبوط الحقيقة يعتصرني، ربما أحبها فعلا، حملت هاتفي وكلمته، سأرمي عليه شرر حقدي، وتخونين صديقتك تلقين بسرها إليه …. جاء صوته يقطع ماتبقى ..
ضحكت فشر البلية مايضحك، حبيبتي قال فابتلعتني السابعة، ربي لماذا لم تجعلهن مئة أرض كي يحتوي عمقها ألمي ، أحبك بعثرها كشظايا اخترقت ظهر معارض وهو يسقط غضبه على شارع مرصوف ليتعرج كحياته التي قرعت عليها طبول الجوع والبطالة، يصله صوتي مبحوحا، أحقا تحبني،ألم تحب غيري، قبلني عبر الهاتف تلك الليلة أكثر مما يجب كأنه يعرف أنه لن يسمع صوتي بعدها …. أغلقت الهاتف كان الهواء يتناقص، ناديته كي يمرر لي نسمة من هواء، صورته بقرب سريري يخرج من إطارها يتغير لون وجهه، يسقط على الأرض، يتحلل، رائحة العفن تملأ الغرفة، أسعل بشده، يسرع والدي بجهاز التنفس، تقرأ والدتي ماتبقى من سورة الوطن فينكسر جناح الطير الذي حام بين عيني وأتحول فراشة تحمل نخلات بلا سعف لوادٍ بذاكرة معطوبة أحرقتها كي أنام بلا أسئلة .