انه الفنان الوطني النبيل، صاحب القلب العالمي، الذي لم تغيّره الأزمنة، ولا الأمكنة، ولا الأحداث. بقي ثابت القيم الوطنية والانسانية، غرس صوته فينا التحدي منذ الصغر وألهب حماسنا للوطن والتضحيات: وكأنني أسمعه الآن ينشد:
لا تسألني عن عنواني/ لي كلّ العالم عنوان/ لا تسألني أبداً أبداً/ أنا بيتي في كل مكان..
الله ياجعفر حسن لصوتك الجهوري الصافي الذي يجعل الجميع تلهج بعنفوان الحب الوطني .الله يا تلك الابتسامة الدائمة والسامية ابدا..
لم ترخّص نفسك يوما ولم تذلها أمام اعداء المحبة وعاشقي الحروب والسلطة. بقيت شامخا بنبل روحك العراقية الأصيلة
غنيت للناس في كل العالم، للشعوب المضطهدة، للفقراء، للأطفال، للمضطهدين، للعمال، للفلاحين، للمناضلين في السجون، للمرأة المقموعة، لأصحاب الفكر، للثوار جميعا، غنيت لفلسطين وأهلها وثوارها، ولبنان ومحنته في حروبه، وأمريكا اللاتينية وفقرها وتهميش ابناءها، غنيت لليمن الديمقراطي الذي احببته وأحبك كثيرا، اليمن الديمقراطي الذي كان سعيدا بنجاح تلك التجربة الرائعة التي تم التآمر عليها وانهائها، غنيت لكل الشعوب المتألمة شرقا وغربا، شمالا وجنوبا من هذه الأرض، وكم غنيت للعراق، وأعطيته الكثير، وكم بكيت وأبكيت الناس على مظلومية شعبه بكل مكوناته زمن الطاغية، وسجنائه ومضطهديه ودماره زمن الحروب..
دائما كنت أراك امتداداً للفنان الأصيل أحمد الخليل الذي غنى للوحدة الوطنية والأخوة بين العرب والكرد، ولن أنسى قبل أعوام كنا في مؤتمر للدفاع عن الأقليات بالعراق الذي عقد بمدينة أربيل، حين أشعلت بصوتك القاعة محبة وبهجة بأغنية هربجي كرد وعرب رمز النضال، أغنية الفنان أحمد الخليل الذي تشبهه بوطنيته ونزاهة روحه وحبه للعراق وتشبهه حتى بشكله.
الله يا تلك اللحظات حيث أحييت أمامنا زمناً جميلاً مضى من تاريخ العراق، يوم كانت المحبة ترفرف على أبنائه بعيدا عن الانتماءات والتكتلات العنصرية،حيث المحبة بين أبناء الوطن كانت هي الطبيعية، وكان العداء أو التفرقة استثناء مرفوضا ومنبوذا..
الله ياذاك الزمن الذي كنت نجمه ، حيث كان صوتك يهز قاعات الثوار، والطامحين بحياة أفضل، والعاشقين للسلام والحرية، والمعاندين للظلم في العالم..
حزننا عليك كبير أيها الراحل بأناقة وسرعة وهدوء، وكم كنت أنيقا مثل رحيلك، نظيفا في علاقاتك وشخصك وملتزما في اختيارك لكلماتك وتعاملك مع الناس. مهذبا وراقيا ونجما لامعا في كل تعاملاتك، وهكذا هي النجوم التي تبقى شامخة وتعطي النور للجميع.
لقد أعطيت الزمن الجميل حقه بكل شئ.
خسارتك لاتعوض أيها الراحل الكبير جعفر حسن ، وهل يمكن تعويض شريان نابض قُطع من قلب الوطن ؟
لروحك السلام أيها الانسان الكبير بقامته والفنان السامق سيرا نحو الشمس.
ستبقى معنا في كل ما أعطيت من فنٍ، ونبلٍ، وحسن سيرة وفكر.
ألف حمامة حزينة تهدل لرحيلك صارخة باسمك رافعة علم المحبة بين البشر كما فعلت أنت.
وداعا أيها المبدع الطيب ولتخلد روحك بسلام أبداً…