ناقش مجلس النواب مؤخراً تقريرًا موسعًا للجنة التحقيق البرلمانية في أوضاع الصناديق التقاعدية وهيئة التأمينات الاجتماعية، وهو تقرير احتوى علي أكثر من 50 توصية عرضت من خلالها اللجنة رؤيتها وجملة تصوراتها لكيفية معالجة أوضاع مستقبل الصناديق التقاعدية، التي باتت أوضاعها تنذر بالكثير من العواقب الوخيمة اجتماعياً واقتصادياً منذ قرابة العقدين، وتحديداً منذ تداعى أعضاء مجلس نواب 2002-2006 لتشكيل اول لجنة تحقيق برلمانية في دعاوى افلاس الصناديق التقاعدية.
الجدير بالذكر أن التقرير الذي نحن بصدده هنا، هو الثالث من نوعه، وكذلك هي اللجنة بطبيعة الحال، فقد تشكلت على مدى العقدين المنصرمين ثلاث لجان تحقيق برلمانية، مما يدلل بوضوح على مخاوف واهتمام الشارع البحريني بمختلف شرائحه من أوضاع ملف الصناديق التقاعدية وأوضاع التأمينات الاجتماعية، خاصة أن تشكيل اللجنة الأخيرة، جاء في خضم لغط كبير حول أوضاع التقاعد والمتقاعدين بعد صدور مرسوم ملكي الغيت بموجبه زيادة ال 3٪ السنوية بالنسبة للمعاشات التقاعدية بالإضافة الى ثلاث مواد أخرى ذات صلة، ثم تبع ذلك إحالة الحكومة لمشروع بقانون يتعلق بإصلاح وتعديل نظام التقاعد، والمرسوم والمشروع هما حاليا قيد المناقشة والتفاوض مع الحكومة في اللجنة المختصة بذلك.
علي هذه الخلفية جاء تشكيل لجنة التحقيق البرلمانية الأخيرة، والتي عبر بعض أعضاءها عن استياءهم أكثر من مرة من كيفية إدارة الملفات والتقارير الاكتوارية والاستثمارات، وصولا لإفصاحهم عن ارقام مغلوطة وردت في ما قدم للجنة من معلومات وتقارير كثيراً ما اثارت جدلاً وتعارضات علنية بين أعضاء اللجنة وهيئة التأمينات الاجتماعية، الأمر الذي استدعى التهديد برفع الأمر للنيابة العامة لوقف ما اعتبره رئيس مجلس إدارة التأمينات تعريضاً وتشويهاً لسمعة بعض المسؤولين في الهيئة، ولم يتم حسم هذه القضية بشكل تام حتى الآن، وهو بكل تأكيد تعبير عن الضيق غير المبرر للمعنيين في الهيئة بما عبر عنه ممثلو الشعب المؤتمنون، مثلهم مثل أعضاء مجلس إدارة التأمينات، على أموال واستثمارات الصناديق التقاعدية!
بطبيعة الحال لسنا هنا في وارد سرد التفاصيل التي تحدث عنها تقرير لجنة التحقيق والذي تجاوز عدد صفحاته الألف صفحة، لكننا بكل تأكيد حريصون على إيضاح موقفنا للرأي العام بصورة اكثر وضوحا، فملف التأمينات بقي على الدوام ملفاً مهماً بالنسبة لنا، وتحديداً منذ أن تقدّم رفاقنا في “كتلة الشعب” ومعهم أعضاء برلمان 1973 بقانون التأمينات الاجتماعية الذي بدأ العمل به منذ العام 1976، أي بعد حل المجلس الوطني حينها، كما تابع الشارع البحريني الموقف الصلب ل”كتلة النواب الديمقراطيين” في الفصل التشريعي الأول بعد استئناف الحياة النيابية، الداعي لوقف التلاعب بأموال ومقدرات المتقاعدين والمشتركين في هيئة التأمينات الاجتماعية، ووقف كل اشكال العبث غير المسؤول بأموال التأمينات الاجتماعية ابان لجنة التحقيق البرلمانية الأولى في برلمان 2002- 2006 .
وها نحن في كتلة “تقدّم” نساهم بجهد وافر هذه المرة في ما توصلت اليه لجنة التحقيق البرلمانية الثالثة عبر تقديمنا لمرئيات الكتلة، طارحين من خلالها حلولاً ومقترحات لإنقاذ التأمينات الاجتماعية وصناديقها التقاعدية مما ينتظرها من تراجعات وعجوزات وافلاسات تلوح في الأفق، متمنين أن يتمّ التعامل الرسمي هذه المرة مع ما طرحناه من حلول بالجدّية المطلوبة، وأن لا تركن تلك المقترحات والتوصيات جانباً مثل سابقاتها، بل يجب أن يتم الأخذ بها حفاظا على ديمومة واستمرارية الصناديق التقاعدية ومصالح المشتركين والمتقاعدين.
وباعتقادي أن تشكيل ثلاث لجان تحقيق خلال أقل من عشرين عاماً، يفصح بشكل واضح عن حجم القلق والمخاوف التي تنتاب الناس حيال مستقبلهم المعيشي والتقاعدي، معولين على ضرورة طمأنة الناس من متقاعدين ومشتركين في نظام التأمينات الاجتماعية على كفاءة وحسن إدارة أموالهم واستثمارات الهيئة، عبر قرارات وسياسات يجب أن ترسم بغرض تنمية تلك الاستثمارات والأصول بما يعود على أصحاب المصلحة من متقاعدين ومشتركين وعلى الاقتصاد الوطني والوضع الاستثماري في البحرين بمزيد من الفرص الاستثمارية الواعدة والتي يجب أن تقدّم بالفعل قيمة مضافة للاقتصاد الوطني وبما يحقق الاستقرار والنماء لتلك الصناديق التي آن الآوان لأن تدار بشكل حرفي ومهني وبعيدا عن أي ارتجال أو إملاءت او توجيهات غير مدروسة.