د. حسن مدن
خصوم ومنتقدو نوال السعداوي ليسوا قلة، فهي كانت هدفاً لسهام معارضيها، بمن فيهم بعض من يتفقون معها، ولكنهم يأخذون عليها ما يحسبونه غلواً منها، ولكن عدد مناصريها، خاصة من النساء، في مختلف البلدان العربية ليسوا قلة أيضاً، وأظهرت ردود الفعل بعد وفاتها، قبل يومين، هذا الانقسام في الموقف من شخصها وآرائها.
هذا شأن كل الشخصيات الإشكالية في أي مجتمع، وتوخياً للدقة علينا أن نقول هذه حال الشخصيات التي تقارب القضايا الإشكالية، برؤية مختلفة غير معتادة، فلا بد أن يختلف في أمرها المختلفون، وتاريخنا الثقافي والفكري العربي حافل بمثل هذه الشخصيات، وحسبنا هنا أن نذكر اسم طه حسين، كمثال، فما بالنا بالأمر حين تكون الشخصية المثيرة للجدل امرأة، كما هي حال السعداوي التي تحسب لها جسارتها في اقتحام المسكوت عنه دون وجل أو خوف.
ما يحسبه خصوم ومنتقدو نوال السعداوي غلواً وخروجاً على الثوابت هو نفسه ما يحسبه مريدوها جرأة واقتحاماً للتابوهات التي يجب مقاربتها، خاصة عندما يتعلق الأمر بقضية المرأة في مجتمعاتنا العربية، وجميعنا يعلم أن تناول هذه القضية بمنظور مختلف، لم يبدأ بنوال السعداوي، وحسبنا هنا أن نذكر كتابي قاسم أمين: «تحرير المرأة» (1899)، و«المرأة الجديدة» (1901)، وكذلك كتاب «امرأتنا في الشريعة والمجتمع» الصادر في عام 1930، للتونسي الطاهر حداد، خريج جامع الزيتونة، والذي نال في حينه إعجاب طه حسين، حتى قال عن مؤلفه: «لقد سبق هذا الفتى قومه بقرنين”.
ويعرف تاريخ مصر نساء رائدات شجاعات اقتحمن دروباً غير مطروقة محفوفة بالمخاطر، بينهن سيزا نبراوي، هدى شعراوي، نبوية موسى، وفي فيلم أعدّته الأديبة إنعام كجه جي عن حياة أول وزيرة في العالم العربي الطبيبة العراقية نزيهة الدليمي، التي توفيت، وحيدة، في صقيع المنفى، نفاجأ بجرأة وإقدام هذه المرأة، التي حكت في الفيلم أنها استقلت حافلة النقل العام، متوجهة إلى القصر الجمهوري في بغداد، حين استدعاها أول رئيس للجمهورية، عبدالكريم قاسم، ليبلغها بأنه اختارها لتصبح أول امرأة وزيرة في البلاد.
ولا يمكن أن نغفل هنا الكاتبة والنسوية المغربية الشجاعة فاطمة المرنيسي التي عرفت بأبحاثها الفكرية والاجتماعية لخدمة قضايا تحرير المرأة، صاحبة العديد من المؤلفات، من بينها “الحريم السياسي”، و”هل أنتم محصنون ضد الحريم؟”، و”ما وراء الحجاب”، “شهرزاد ترحل إلى الغرب”، و”أحلام الحريم”، “نساء على أجنحة الحلم”، ما شكلَّ تراثاً مهماً ومرجعاً أساسياً ونصيراً للحركة النسائية المغربية والعربية، فضلاً عن إثرائه لفكر الحداثة والتقدم الاجتماعي والفكري في المغرب والعالم العربي.
على خطى هؤلاء سارت نوال السعداوي، الطبيبة بدورها، ولكنها جمعت بين الأدب والطب ووظفتهما في مقارعة كل ما تعدّه معيقاً لتقدّم المرأة ومساواتها بالرجل، غير آبهة بالتحديات، وأصدرت عشرات الكتب، تُرجم بعضها للغات أجنبية، بينها: “مذكرات طبيبة” عام 1960، و”مذكرات في سجن النساء”، ومسرحية “الزرقاء”، ورواية “سقوط الإمام” عام 1987، و”أوراق حياتي” عام 2000. ومن رواياتها أيضاً “امرأة عند نقطة الصفر” المستوحاة من قصة حقيقة لامرأة التقتها وكانت تواجه عقوبة الإعدام.