تُشكل البطالة قلقاً دائماً لشباب البحرين منذ سنوات، عاماً بعد عامٍ تزداد تعقيداً وصعوبة أمام خريجي الجامعات والثانوية العامة الباحثين عن العمل، ولتحقيق آمالهم وتطلعاتهم في بناء مستقبلهم، ولكن كل تلك الطموحات والتمنيات تصاب بالخيبة واليأس، فطوال عقود من السنين لم تضع الجهات المعينة في الدولة رؤى واضحة للخروج من تلك الأزمة المتأصلة، والتي أصبحت مثل المرض المزمن، والدواء الموجود لا يعالج الجسد المريض ولا يخفف آلامه المستمرة، مشاريع ومعارض ومؤتمرات التوظيف تنظمها الجهة الحكومية المعنية ربما في العديد من المرات في السنة دون جدوى، لأنها لا تتوجه لمعالجة جذر المشكلة.
البحرنة ليست شعاراً يُرفع أو كلاماً يتردد على لسان هذا المسؤول أو ذاك، وليست شهادة بحرنة تفرض على تلك الشركة أو الأخرى استخراجها من أجل الحصول على مناقصة حكومية في هذه الوزارة أو تلك، بدونها لا تستطيع الدخول فيها، بل يجب أن تكون “البحرنة” استراتيجية واضحة المعالم، عندما توضع تتم دراسة كل الصعوبات والمعوقات وكيفية التغلب عليها، من أجل تحقيق الأهداف المرجوة منها، وأن تكون ملزمة لكل الجهات، أي القطاعين العام والخاص، وهذا لن يحدث إذا لم يكن مدعوماً بقرار سياسي، يبدأ بتحديد الوظائف التي يجب ان تكون حصراً على البحرينيين، وبالأخص في القطاع الخاص وهي كثيرة مثل: الموارد البشرية، الهندسة، السكرتارية، المحاسبة، تكنولوجية المعلومات، تدقيق الحسابات، المبيعات، المشتريات، والقطاع العام “الحكومي” في وزارات التعليم والصحة وغيرها حيث يتعين تقليل نسبة العمالة الوافدة فيها، وإحلال المواطنين العاطلين من الشباب الخريجين، مثلما فعلت سلطنة عمان الشقيقة.
جاءت جائحة كوفيد 19 وما أحدثته من أزمة اقتصادية ومالية كبيرة في مجالات عدة وتداعياتها المستمرة، لتسرع من تنفيذ ذلك القرار المؤجل منذ سنوات في العديد من دول مجلس التعاون الخليجي، وكان بالإمكان تنفيذه في السابق، فالعمل به حالياً يعتبر خطوة إيجابية لحل مشكلة البطالة في المجتمع البحريني والخليجي، في الوقت التي تعج بلداننا بالملايين من العمالة الوافدة، ففي بلادنا البحرين عالجت الدولة معضلة العمالة السائبة أو الهاربة من أرباب العمل بإعطائها ما يعرف ب”التأشيرة المرنة”، بالرغم من معارضة أرباب العمل لهذه الخطوة الحكومية إلا أنهم لا يستطيعون الوقوف ضدها.
وقد عبَّر رئيس غرفة تجارة وصناعة البحرين في مقابلة مع الصحافة المحلية في العام الماضي، عن استيائه من ذلك، حيث يبدو واضحاً أنه لا يوجد اتفاق بين الحكومة والغرفة بشأن “الفيزا المرنة”، حيث أصبح حاملو تلك التأشيرة “أرباب عمل” ينافسون كفلاءهم السابقين في العديد من الأعمال والمشاريع وبأسعار أرخص منهم، وأصبح البحرينيون من أصحاب الشركات والمشاريع الصغيرة هم الأكثر تضرراً، وجاءت جائحة كورونا لتقصي من تبقى منهم في السوق.
ما يجري تجاهله هو أن أي مشروع استثماري أو صناعي لا يستفيد منه أبناء الوطن لا جدوى منه، فهو واستنزاف للمال العام لصالح مستثمرين أجانب ومشاريع تجارية فاشلة يجب أن تتوقف، وأن لا تكون البحرين حقل تجارب للفاشلين والفاسدين الأجانب، الفساد المالي والإداري والاقتصاد غير المنتج لا يمكن ان يبني وطناً متقدماً في الصناعة والتجارة والاقتصاد.
منذ فترة وجيزة طرحت الدولة مشروع توظيف 20 ألف من المواطنين الخريجين في عام 2021، فكرة ممتازة، وإنْ سبق طرحها في السنوات الماضية، السؤال هنا، كيف تتحقق وماهي الخطوات التي وضعت لتنفيذه؟، لا نريد أن ندخل في تفاصيل المشروع، ولكن الشفافية مطلوبة لمحاسبة الجهة المقصرة في التنفيذ، فما أكثر المشاريع والرؤى التي طرحت ولم تتحقق على أرض الواقع، واستمرت البطالة وجعاً يقلق آلاف الشباب ومعهم أسرهم في بلادنا، خلافاً لما ينصّ عليه الدستور في مادته ( 13) – ب، التي تنص على أن “تكفل الدولة توفير فرص العمل للمواطنين وعدالة شروطه”.
بالمقابل يجب أن تتوقف الحكومة من استنزاف صندوق التأمين ضد التعطل عند كل مشروع أو أزمة تحدث في البلاد، مثلما حصل مع مشروع تمويل التقاعد الاختياري لعام 2019 بمبلغ وقدره ( 230 ) مليون دينار بحريني، وفي جائحة كورونا تم سحب ( 215) مليون دينار بحريني من الصندوق لدفع رواتب البحرينيين في القطاع الخاص لثلاثة أشهر (مارس، أبريل، مايو 2020)، إجمالي المبلغ 445 مليون ديناراً بحريني، حوالي نصف مبلغ الصندوق ( 800 مليون ) دينار أو اكثر بقليل، كان الاجدر بأن يتم إنجاز مشروع كبير في البلاد يُوظف فيه العاطلون ويوفر لهم حياة كريمة بدلاً من الانتظار والبحث عن العمل لسنوات طويلة، فالمطلوب مشاريع جادة ذات منفعة للمواطنين، واعتماد الشفافية في كل مشاريع الحكومة المعلن عنها، وعلى أعضاء مجلس النواب القيام بالدورالرقابي والتشريعي المناط بهم بهذا الشأن.