ترجمة وإعداد: هشام عقيل
[وثق هذا اللقاء فلاديمير بونتش-برويفيتش وهو بولشفي روسي والمساعد الشخصي للينين. نُشر هذا التوثيق في المجلد الثالث من أعمال برويفيتش الكاملة (ذكريات مع لينين 1917-1924). ترجمنا هذا النص الذي أعدّه تد كراوفرد وفرد ويستن عن اللغة الانكليزية.]
عقُد اللقاء في 1919، وأظنه كان في أحد الأيام ما بين 8-10 مايو. قرر فلاديمير إيلتش لينين بأن اللقاء سيعقد بعد ساعات عمله في السوفناركوم [مجلس الكوميسارات الشعبي]، أعلمني أنه سيأتي بحلول الساعة 5 عصراً. انبأت بيوتر ألكسيفيتش بهذا عبر الهاتف وأرسلتُ له سيارة لتحضره إلينا. حضر لينين قبل كروبوتكن؛ فتحدثتُ معه عن الأعمال المنشورة القديمة للثوريين. قال لينين بإنه حتماً سيجيء اليوم الذي سيكون علينا أن ننشر أعمال الثوريين الروس المهاجرين. في هذه الأثناء كان يتفحص بشكل عابر الكتب في مكتبتي من كتاب إلى آخر، ومر على كتب باكونين وكروبوتكن التي كانت بحوزتي منذ 1905. بعدها بقليل حضر كروبوتكن؛ ذهبت لاستقبله إذ كانت خطواته بطيئة ومتعبة على الدرج. سارع لينين ليستقبله بدوره في الرواق ورحب بكروبوتكن بإبتسامة عريضة. أخذ لينين بذراعه بشكل مهذب ورقيق جداً، ورافقه إلى أن أجلسه على الكرسي، وبعدها جلس في الجهة المقابلة له.
كان كروبوتكن سعيداً وقال: “كم أنا سعيد بهذا اللقاء يا فلاديمير إلتش! قد لا نتفق على كل شيء فيما بيننا، فنحن نختلف في قضايا عدة مثل التنظيم، لكن لنا مثل الأهداف. ما تقوم به أنت ورفاقك باسم الشيوعية يرضيني ويسعد قلبي العجوز جداً. لكنك الآن تُصعب الأمر على التعاونيات، بينما أنا أدعم التعاونيات”.
أعلن لينين بصوت عالٍ: “لكننا ندعم التعاونيات كذلك! نحن مجرد معارضون لتلك التعاونيات التي سراً تضم الكولاك، وكبار ملاك الأراضي، والتجار، ورأس المال. نريد أن نفضح هذه التعاونيات الزائفة ونسمح لشريحة كبرى من الناس المشاركة في التعاونيات الحقيقية.”
قال كروبوتكن: “أنا لا اختلف معك في هذه المسألة، وهذه الحالات التي تفضلتَ بالحديث عنها لا بد أن نحاربها بكل وسيلة ممكنة؛ بمثل الطريقة التي يجب علينا محاربة كل شكل من أشكال الكذب والتزييف. لسنا بحاجة إلى أي تزييف، علينا أن نكشف كل كذبة بلا رحمة؛ لكنني في مدينة ديميتروف رأيتُ – وهذا حصل أكثر من مرة – بأن اعضاء التعاونيات تعرضوا للقمع وهم لا ينتمون للحالات التي تحدثتَ عنها للتو. سبب ذلك هو أن السلطات المحلية، ولعل كان اعضاؤها ثوريون في السابق، خضعت للبرقرطة حالها حال كل سلطة، فتحولت إلى سلطة رسمية تتعامل بمنطق الآمر والمأمور.”
لينين: “نحن دائماً ضد الرسمية والسلطوية كما إننا ضد البيروقراطيين والبيروقراطية، وعلينا أن نقوض هذه الأشياء المأساوية ما إذا ظهرت في مجتمعنا الجديد. لكنك من المؤكد تتفهم، بيوتر إلكسيفيتش، بأنه من الصعب جداً تغيير البشر؛ بما إن جمجمة الإنسان – كما قال ماركس قديماً – أكثر القلاع تحصناً! نحن نتخذ كل الإجراءات اللازمة للوقوف ضد هذه الأشياء، وبلا شك تعطينا الحياة الكثير من الدروس. من الواضح بأن في روسيا نعاني من الأمية، والجهل، والتخلف ولكن لا يُمكن لأي أحد أن يلومنا كحزب وكدولة، إذ كل هذه الأمور الكريهة في مؤسسات الدولة تحصل بعيداً عنا؛ في عمق الريف، بعيداً عن مركز البلاد.”
كروبوتكن: “بلا شك، لا عزاء لأولئك الذي يسيئون استعمال السلطة بهذا الشكل الرجعي؛ خصوصاً أن السلطة هي، بحد ذاتها وبشكل عام، سم رهيب يضر كل من يستعمله.”
لينين: “لكن ليس باليد حيلة، لا يُمكنك أن تحدث ثورة بقفازات ناعمة. نعلم تماماً بأننا ارتكبنا العديد من الأخطاء الفادحة وحتماً سنرتكب العديد من هكذا اخطاء مستقبلاً؛ صححنا كل شيء قابل للتصحيح، ونعترف تماماً باخطائنا الغبية التي غالباً ما تتكرر. لكن على الرغم من كل هذا، لا زلنا نقود ثورتنا الاشتراكية نحو النجاح. اسألكَ أن تقف معنا وتساعدنا؛ نبهنا كلما نتركب خطاءاً، وتيقن باطمئنان بأننا سندرس ما تقدمه لنا باهتمام بالغ.”
\كروبوتكن: “جمعينا سيعمل على مساعدتك ومساعدة رفاقك متى ما كان هذا ممكناً؛ سنعلمكم بكل الأخطاء التي تحصل، هذه الأخطاء التي يتضايق منها الكثيرون في الكثير من الأماكن.”
بعدها بدأ كروبوتكن بالتنظير: “أنتَ تقول بإن لا سبيل لنا إلا السلطة، ولكنني أرى بأنه من الممكن نتقدم من دونها تمامآً. أنظر إلى الحركات المضادة للسلطة التي بدأت تشتعل؛ خذ انكلترا مثلاً. هناك – كما علمتُ مؤخراً – أسس عمال السفن في أحد الموانئ تعاونية مذهلة وحرة تماماً، حيث يروح ويجيء العمال من المصانع الأخرى. إن الحركة التعاونية لهي جد مهمة، نعم أنها جوهرية…”