في الرابع عشر والخامس عشر من فبراير الجاري 2021 يمرّ عشرون عاماً على التصويت على ميثاق العمل الوطني، في ذلك التاريخ من عام 2001 ، حيث حصل على نسبة 98.4% في إجماع وطني قلَّ نظيره في التاريخ السياسي البحريني، وجاء التصويت على الميثاق ليطويَ صفحةً سوداءَ في تاريخ البحرين، بإطلاق سراح المعتقلين والسجناء السياسيين وعودة المنفيين من الخارج، بعد حقبة قانون أمن الدولة وتدابير محكمة أمن الدولة التي استمرت منذ حل المجلس الوطني في 26 أغسطس 1975 حتى تاريخ التصويت على الميثاق.
كانت أهم مطالب الحركة الوطنية والشعبية في تلك الحقبة هي إطلاق سراح المعتقلين والسجناء السياسيين وعودة المنفيين وإعادة الحياة النيابية وإشاعة الديمقراطية، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة، وهي المطالب التي ركَّزَت عليها العريضتان النخبوية والشعبية في الفترة 1992/1994، بالإضافة إلى مطلب حق المرأة في المشاركة السياسية بالترشيح والانتخاب.
لن ندخل في تفاصيل تلك الحقبة السوداء التي سبق لنا الكتابة عنها، وسنكرس قراءتنا للأحداث والتغيرات خلال العشرين سنة الماضية من التصويت على ميثاق العمل الوطني، والذي شكَّل الحدث الأهم في بداية الألفية الجديدة في البحرين وفي بلدان مجلس التعاون الخليجي، حيث كانت التطلعات بأن تتطور التجربة في بلادنا نحو نقلة نوعية للتحولات الديمقراطية والإصلاح السياسي بمزيدٍ من التغيير والديمقراطية في ظل عهدٍ جديدٍ جاء ليواكبَ التغييرات والتحولات في العديد من بلدان العالم من أجل إيجاد مسارات جديدة في بنية النظام السياسي القديم، والقيام بإلغاء القوانين المعيقة للتحول الديمقراطي من الحقبة السابقة، خاصة بعد السماح بتشكيل الجمعيات السياسية والنقابات العمالية والمهنية والعديد من منظمات المجتمع المدني، وإجازة إصدار جرائد يومية وإسبوعية وتوسيع هامش الحريات العامة، حيث كان ملحوظاً النشاط السياسي والمدني في البلاد، وجرت انتخابات للمجالس النيابية والبلدية في عام 2002 بعد صدور دستور مملكة البحرين والجدل الذي أثاره، وما تلى ذلك من تطورات وأحداث سياسية متسارعة في المشهد السياسي لم يتعود عليها البحرينيون من قبل.
لكن أحداث فبراير/ مارس 2011 وتداعياتها، عادت بالأجواء السياسية المتشددة للوراء، والأسوأ من هذا حدث الانقسام بين الشعب وهو ما تتحمل مسؤوليته أطراف عدة في البلاد، حيث انحدرت الأمور نحو منعطفٍ خطيرٍ، ونشأ واقعٍ مغايرٍ للبدايات الأولى للانفتاح السياسي، بنقل التجربة التي حدثت في بعض البلدان العربية في عام 2011 فيما عرف “الربيع العربي” الذي لم تتعافَ منه تلك البلدان العربية، مع استثناء نسبي للتجربة التونسية.
فالإنتفاضات التي رفعت فيها الشعارات الثورية بالأبعاد الإنسانية: الخبز، الكرامة، العدالة، الحرية، تحولت إلى كوارث ومآسٍ وبالأخص بعد أن رُفِعَ شعارُ (الشعب يريد إسقاط النظام) في أكثر من بلد عربي، وتدخلت في تلك الأحداث عوامل وأطراف داخلية وخارجية غايتها ليس التغيير والديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان، وإنما إشعال نيران الفتن الداخلية من خلال الفوضى والتخريب والفرقة في المجتمعات العربية لكي لا تقوم لها قائمة لا في الحاضر ولا المستقبل، فعمقت من الأزمات الداخلية اقتصاديا واجتماعيا ومعيشياً، ولتتحول إلى معوقات كبيرة أمام توجهات التغيير والإصلاح في أي بلد عربي لسنوات قادمة، لهذا بات شعار الاستقرار والأمن من قبل بعض الانظمة السياسية العربية يتقدم على أي شعارات أو تغيّرات أخرى، ولم تقبل بأن تجري حتى التحولات التدريجية نحو التغيير و الديمقراطية، التي ستبقى مؤجلة إلى وقت آخر.
ومن المعروف الأهمية التي توليها العديد من القوى الدولية لمنطقتنا لموقعها الاستراتيجي الهام لوجود الطاقة فيها بكميات كبيرة بمخزون كافٍ لعشرات السنوات القادمة، وسوف تظلّ تدعم ذلك الاستقرار والأمن من أجل مصالحها ولن يعني لها شيئاً إنْ برزت مظاهر الاستبداد والاضطهاد أو تكميم الأفواه للمعارضين في البلدان العربية، وسوف تتعاطى مع كل نظام حسب خصوصياته ووضعه وطبيعة علاقاتها معه.
عودة إلى الوضع القائم في بلادنا أصبحت الثقة مهزوزة بين مؤسسة الحكم والمعارضة، بسبب تداعيات تلك الأحداث السياسية، وما تلى ذلك من تسريع صدور قوانين جديدة تعيق من تطوير التجربة الناشئة للتحول الديمقراطي في البلاد باسم السلطة التشريعية، خاصة بعد انسحاب كتلة الوفاق منه فترة الأحداث، وما تلى ذلك من تعثر جولات الحوار الوطني، ومقاطعة انتخابات عام 2014، وما تلى ذلك من أحداث، أهمها حلّ بعض الجمعيات السياسية المعارضة، وتعقدت الأجواء السياسية في البلاد بسبب تلك التراجعات السياسية، وهكذا عدنا لأجواء مشحونة بالتوتر والريبة وانعدام الثقة بين الأطراف المختلفة، ليتصاعد خطاب الكراهية والتمييز، يقتات منه المؤزمون الذين يعملون جاهدين من أجل استمرار تلك الأجواء المليئة بروح الكراهية والفرقة في المجتمع كيلا يخسروا المنافع والمصالح الشخصية التي حصلوا عليها.
في هذا الوضع السياسي الذي يغيب فيه صوت العقلانية والوحدة الوطنية، بالرغم من هذا يشق خطاب الرأي الواقعي والوحدة الوطنية طريقه بهدوء ليفتح ثغرة في الجدار ليؤسِّس لواقعٍ جديدٍ ناضلت أجيال عديدة من أبناء وبنات الحركة الوطنية الديمقراطية في البحرين، فمستقبل البحرين ليس في الخيار الأمني، وإنما في مزيدٍ من الديمقراطية والحريات العامة والعدالة الاجتماعية والمساواة والوحدة الوطنية.
إن البحرين في ظل الوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب بسبب جائحة كورونا وآثارها السلبية، في حاجة إلى جميع أبنائها، وعليها تقوية الجبهة الداخلية بالتكاتف والتلاحم من خلال حوار وطني شامل يناقش القضايا الحيوية والملحة يُخرجَ البلاد و العباد إلى آفاقٍ أرحب.