ماو تسه تونغ
ترجمة وإعداد: هشام عقيل
1-
بالنسبة إلى موقف 5 مليون مثقف من الماركسية سأقول بأن أكثر من 10% منهم، وهم الشيوعيون والمتعاطفون مع الشيوعية، مدركين نسبياً بماهية الماركسية ويقفون بجانبها بصلابة، ايّ يتخذون موقع البروليتاريا. من بين هؤلاء 5 ملايين مثقف. إنهم لا يشكلون سوى أقلية، ولكنهم يشكلون نواة ما وقوة حقيقية.
في مثل الوقت، ترغب الأغلبية في دراسة الماركسية وهي بالفعل تعلمت شيئاً أو آخر عنها، ولكنها لا تزال غير مدركة بماهيتها. للبعض شكوكه تجاه الماركسية، ايّ موقفه ليس ثابتاً بعد، وبالتالي سيكون له موقعاً متذبذباً في أوقات الشدة. هذا القسم من المثقفين، وهم يشكلون الغالبية، مكانهم مكاناً وسطياً. بعضهم يعارض الماركسية ولكنه لا يجهر بذلك صراحة وسيبقى هكذا لفترة طويلة؛ لذا سيكون علينا أن نسمح لهم بمعارضتنا. خذوا بعضاً من أتباع المذهب المثالي على سبيل المثال: من الممكن تجدهم يدعمون الاشتراكية كنظام سياسي واقتصادي ولكنهم يعارضون الماركسية بحد ذاتها؛ هذا ينطبق كذلك على بعض الجماعات الدينية الوطنية، ولكن لا يمكننا أن نفرض عليهم نظرتنا الماركسية.
بإمكاننا اختصار موقف المثقفين من الماركسية كالتالي: هناك من يدعم الماركسية وهو مدرك بشكل نسبي بماهيتها (الأقلية)، وهناك من يعارضها اطلاقاً (ايضاً الأقلية)، وهناك من يدعم الماركسية لكنه غير مدرك بماهيتها، وبالتالي يدعمها بدرجات متفاوتة (الأغلبية). إذن، نحن أمام ثلاث مواقف مختلفة: موقف صلب، ومتذبذب، ومعارض. علينا أن ندرك بأن هذه الحالة ستستمر لمدة طويلة جداً، وإن لم ندرك ذلك سنكون قد فرضنا مطالب هائلة على الآخرين وفي مثل الوقت نكون قد تغافلنا عن مهامنا. على رفاقنا في العمل الدعائي نشر الماركسية.. لا يمكننا أن نجبر الناس على القبول بالماركسية، كل ما يمكننا فعله هو أن نحاول حثّهم على ذلك.
… صحفنا تثقف الشعب بشكل يومي؛ كتابنا، وفنانونا، وعلمائنا، ومهندسونا، ومدرسونا يعملون على تعليم الطلبة والشعب. ولكن لأنهم معلمون ومدرسون سيكون عليهم أن يثقفوا أنفسهم أولاً. … بعضهم قد قرأ كتاباً أو كتابين من الكتب الماركسية، فظنّ بأنه قد تثقف بشكل كلي بالماركسية، بينما في حقيقة الأمر لم يستوعب ما قرأه بعد ولم يترسخ في ذهنه ما قام بقراءته؛ وبالتالي لا يعلم كيفية استعمال الماركسية، وهكذا تبقى مشاعره الطبقية ثابتة. أما بعضهم الآخر فقد اكتسحه الغرور: بكم كلمة مزخرفة هنا وهناك اعتقد بأنه يقول اشياء مذهلة؛ لكن في أوقات الشدة تجده يأخذ موقعاً مختلفاً ومغايراً عن موقع البروليتاريا وغالبية الفلاحين. إنه يتذبذب بينما الجماهير تبقى ثابتة.
… على رفاقنا أن يعوا بأن إعادة التشكيل الأيديولوجي للمثقفين عملية طويلة تستغرق وقتاً طويلاً. على رفاقنا أن يفهموا بأن إعادة التشكيل هذه تتضمن عملاً طويل الأمد، وصبراً حقيقياً لا كلل فيه ولا ملل؛ عليهم ألا يحاولوا اطلاقاً تغيير الموقع الأيديولوجي لأي شخص عبر محاضرات هنا وهناك، إذ أن هذا الموقع قد ترسخ على مدى عقود من الزمن. إن الطريقة الوحيدة لإكتساب الناس هو الحث لا الإجبار؛ الإجبار وسيلة تفشل في كسب الناس. هذه الوسيلة مسموحة فقط حين نتعامل مع الأعداء، ولكنها غير مسموحة اطلاقاً حين نتعامل مع اصدقائنا ورفاقنا. ماذا سيحصل إذا لم نعرف كيفية حث الناس؟ حينها سيكون علينا أن نتعلم. علينا أن نتعلم كيفية السيطرة على الأفكار الخاطئة عبر المناقشة وتبادل الآراء.
(كلمة ماو تسه تونغ في المؤتمر الوطني للحزب الشيوعي الصيني حول العمل الدعائي، 1957).
2-
جميعنا يغسل وجهه بشكل يومي، وبعضنا يقوم بذلك أكثر من الآخر، كما أن جميعنا يتفقد وجهه بعد غسله كما لو كان “يتقصى ويبحث”، كي يتأكد بأن ليس ثمة شيء يلطخ وجهه. يا له من حس عالٍ بالمسؤولية! حبذا لو كتبنا مقالاتنا وألقينا خطبنا بمثل هذا الحس بالمسؤولية؛ لو قمنا بذلك لكنا قد قدمنا عملاً جيداً. لا تعرضوا شيئاً لا يستحق العرض؛ وضعوا دائماً في البال بأنكم تؤثرون على الآخرين. إذا حصل بأن أحد منا نسي أن يغسل وجهه ليوم أو يومين هذا بلا شك أمر سيء، ولكنه إذا تدارك ذلك وقام على الفور بغسل وجهه فإن هذا ليس بأمر خطير؛ على الرغم من أن وجهه لا يزال ملطخاً بعض الشيء. تختلف المسألة عند الكتابة أو القاء الخطب، إذ أن غايتها هو التأثير على الآخرين. … الكثير منا يكتب ويلقي خطباً من دون أي دراسة مسبقة ولا تحضير، وبعد الانتهاء من كتابة مقالة ما تجده لا يشغل نفسه بمراجعتها عدة مرات بالطريقة التي يراجع فيها وجهه بعد غسله؛ على العكس يرسلها فوراً للنشر.
(عارضوا الكتابة الحزبية النمطية!، 1942).
3 –
بالنسبة للبعض الذي يفتعل الفوضى سأقول بأننا لا نشجع على ذلك، ولكن إذا كان هؤلاء الناس مصرين على إحداث الفوضى إذن دعوهم. إن حرية التعبير والاحتجاج مكفولة من قِبل دستورنا، وعلى الرغم من أن حرية الإضراب غير مذكورة في الدستور إلا إنها غير ممنوعة في ذات الوقت؛ بهذا المعنى الإضراب لا يعارض الدستور.
إذا منعتم الناس من الإضراب أو كتابة عريضة ما، سيكون هذا أمراً سيئاً للغاية. برأيي، إذا كان بعض الناس يريدون افتعال الفوضى دعوهم لأطول مدة ممكنة، وإن لم يكن شهراً كافياً إذن ليكن شهرين؛ بإختصار على المسألة ألا تنتهي إلا في حال شعر هؤلاء الناس بأنهم نالوا كفايتهم. أما إذا حاولتم تأجيج الأمور، إذن حينها سيحدث نفس الناس نفس الفوضى مرة أخرى. إذا هناك طلبة يريدون المشاكل لا تغلقوا المدرسة، بل صارعوهم على طريقة معركة تشيبي قديماً. ما فائدة هذا كله؟ سيفيدنا ذلك في كشف المشاكل بشكل كلي والتفرقة ما بين الصواب والخطأ كي يتم تهدئة الجميع، أما الذين لا يعملون بعقلانية، وهذا النوع من الناس هو الأسوأ، حتماً سيهزمون.
عليكم أن تتعلموا هذا الفن في القيادة، ولا تحاولوا أن تسيطروا على كل شيء. فكلما قال أحدهم شيئاً شاذاً، أو شن حملات اضرابية أو كتب عريضة ما، أجدكم تتسارعون في ضربهم وقمعهم بشكل شرس؛ إنكم تعتقدون بأن كل هذه الأمور يجب أن تقمع لأنه لا يتوجب عليها أن تحصل هنا. حسناً، إذا كان لا يتوجب على هذه الأمور أن تحصل إذن لماذا – مع ذلك – نجدها تحصل؟! هذه الحقيقة بحد ذاتها تعني بأن عليها أن تحصل! إنكم تمنعون الناس عن الإضراب ومعارضتكم، وتلجأون فوراً إلى القمع؛ وهكذا إلى أن تتحولوا إلى راكوسي في أحد الأيام. … على التناقضات أن تكشف وتحل.
…أنا على يقين بأن في كل مكان تجد أن الناس في الوسط هم الغالبية بينما الناس الذين يقعون في اقصى الطرفين هم الأقلية. علينا أن نحاول كسب الشرائح الوسطية هذه خطوة بخطوة ومن بعد ذلك ستكون لنا الغلبة. علينا أن نحلل كيف يتحرك قادة حركات الشغب، فإن الكثير منهم من الممكن أن يكونوا مفيدين للناس. أما بالنسبة للسيئين منهم فلا حاجة بنا أن نعتقلهم أو نزجهم في السجون، بإستثناء هؤلاء الذين اثبت بأنهم اقترفوا اسوأ الجرائم. … في الاتحاد السوفيتي، حين يفتعل كم طالب جامعي المشاكل يتم قمعهم فوراً عبر طرد بعض القادة من مفتعلي المشاكل، ولكنهم لا يدركون بأن الأشياء السيئة هي مادة تعليمية. بلا شك، علينا أن نمارس الدكتاتورية على القلة الذين يقودون حركات تمردية تشكل ثورة مضادة، مثلما حصل في المجر.
علينا أن نسمح للشخصيات الديموقراطية معارضتنا بآراء مختلفة ومغايرة تماماً، وهذا عبر توفير الحرية الكاملة في النقد.
(كلمة ماو تسه تونغ في مؤتمر أمناء اللجان الحزبية للمحافظات، والمقاطعات، ومناطق الحكم الذاتي، 1957).