يحتفل العالم اليوم العاشر من ديسمبر بيوم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يدخل هذه السنة عامه الثاني والسبعين، وهو اليوم الذي شهد إطلاق وثيقة تاريخية تبنت حقوقاً غير قابلة للتصرف للجميع فى مختلف دول العالم بغض النظر عن العرق أو اللون أو الدين أو المذهب أو الجنس أو اللغة أو غير ذلك، وهي الوثيقة التي جاءت استشعاراً للحاجة الماسة لها بعد الانتصار على النازية فى الحرب العالمية الثانية بما خلفته من ويلات ونكبات على البشرية، وانضم لهذا الإعلان في فترات لاحقة غالبية دول العالم بعد أن بات وثيقة إنسانية تتوافق على مبادئها ومقتضياتها البشرية من حرية وكرامة فردية وسلام وحقوق متساوية ونبذ الفرقة وكافة أشكال التمييز واحترام المعتقدات والأديان.
إن مما يؤسف له أنه منذ اثنين وسبعين عاماً من إطلاق هذا الإعلان لاتزال حقوق الإنسان منتهكة في بقاع كثيرة من العالم، ولاتزال الكثير من الشعوب تدفع أثماناً باهظة لنيل هذه الحقوق وفق المبادئ التي احتواها هذا الإعلان وتضمنتها المواثيق الدولية وشرعة حقوق الإنسان، وفى طليعتها حق هذه الشعوب في الحصول على حياة كريمة ترتكز على ضمانات السلم الأهلي وحرية الفكر والتعبير والضمير والمعتقد، إلى جانب الحقوق الأخرى الأساسية من فرص عمل وأمن صحي وغذائي وتعليم وكرامة وكل ما يعمق المعاني والمفاهيم الإنسانية، ولابد هنا في هذا السياق بالتذكير بالانتهاكات الصارخة لحقوق الشعب الفلسطيني على يد سلطات الاحتلال الاسرائيلي، والتأكيد بأن القضية الفلسطينية لا زالت تمثل نموذجاً حياً وماثلاً أمام دول العالم على أعظم الانتهاكات المتصلة بحقوق الشعب الفلسطيني وما يتعرض له من جرائم ضد الإنسانية فى ظل صمت دولي تعرضت ولا زالت تتعرض له فلسطين وطناً وأرضاً وشعباً.
كما أن مناسبة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فرصة ليجدد التقدمي موقفه الثابت والمساند لكل القيّم والمبادئ المتصلة بحقوق الإنسان في البحرين والعالم، والرافض رفضاً قاطعا المساس بأي شكل من الأشكال بهذه الحقوق من قبل أي طرف أو جهة كانت، ويرى أن أي تقدم لأي بلد ليس تقدماً مظهرياً بتشييد المباني الشاهقة، والمصانع، وإنشاء الجسور وغير ذلك مما يعده البعض تقدماً وإنجازاً، إنما التقدم والإنجاز الحقيقي يجب أن يتصدرهما البعد والتقدم الإنساني، وإعلاء مكانة حقوق الإنسان فذلك هو الأساس الذي ينهض بالمجتمع ويمهد الطريق نحو المزيد من المنجزات والمكاسب.
وعليه يرى التقدمى أننا في البحرين لازلنا ومنذ سنوات نعيش مخاض صراع بين من يسعى إلى التطبيق الحقيقي والفعال لمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وبين ممارسات وسلوكيات وقيود من قبل أجهزة الدولة التي تمس تلك المبادئ والأسس ومعبرة عن عدم الاستجابة المطلوبة والمستحقة لدواعي وموجبات ومقتضيات هذه الحقوق كما يجب، ومنها ما يتصل بحق حرية الرأي والتعبير وجر بعض المدونين ونشطاء الميديا إلى المحاكمات، وكأن ممارسة هذا الحق أصبح يشكل معضلة حقيقية، في حين يتوجب أن يكون هذا الحق هو الأساس الذي تتفرع منه مختلف الحريات والحقوق العامة، وكافة الحقوق المدنية والسياسية التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الخاص بالحقوق العمالية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ورفض تغييب أي من هذه الحقوق بصورتها وجوهرها.
إن البحرين وهي على أعتاب العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين لازال فيها معتقلين على خلفية قضايا تتعلق بحرية الرأي والتعبير، كما أنها لا تزال تفرض بعض القيود على حراك مؤسسات المجتمع المدني، تمنع التجمعات والمسيرات السلمية وفي المقدمة منها المسيرة العمالية في الأول من مايو من كل عام، مؤكدين أن منظومة حقوق الإنسان وحدة متكاملة يكمل بعضها بعضاً وتتساند فيها المبادئ، كلٌ منها على الأخرى، وإذا ما غابت أو غيبت أصبح أداؤها منقوصاً ووظيفتها المجتمعية غير مكتملة وصداها أمام المجتمعات والأمم والهيئات والمنظمات الدولية ليس كما يجب.
إن التقدمى يقف اليوم مع كافة مكونات المجتمع ونشطاؤه من الجمعيات والأفراد، وكل التواقين لغد أجمل من أجل أن تتكلل مساعينا وحراكنا الحقيقي والسياسي بخارطة طريق يتوافق على مكوناتها الجميع بما فيها مؤسسات الدولة لإعادة نبض الحياة الحقوقية والسياسية إلى ما ننشده وبما يجعلنا نتجاوز جروح الزمن المعتم.
المنبر التقدمي – البحرين
10 ديسمبر 2020