في شهر مارس 2020 الماضي دخلت الأزمة السورية عامها العاشر، وهي الأزمة التي تحوّلت إلى واحدة من أسوأ الأزمات والحروب التي مرّت بها منطقة الشرق الأوسط، نتيجة تآمر القوى الإمبريالية والإرهابية بدعم من بعض البلدان العربية، ومن قوى إقليمية خاصة تركيا التي فتحت حدودها لتدفق المقاتلين الإرهابيين من مختلف البلدان والجنسيات، وأمّنت لهم التدريب العسكري والدعم اللوجستي.
وكان الهدف من كل هذا هو تدمير سوريا على شتَّى الأصعدة، وإدخال الشعب السوري في نفق مظلم لم يخرج منه حتى هذه اللحظة، لتزداد معاناته ومآسيه، والتي جاءت جائحة كورونا لتزيدها تفاقماً، حيث أضطر الآلاف من السوريين للهجرة، ومكابدة المخاطر للوصول إلى أماكن آمنة، فيما يعاني من بقي منهم في بلاده من تدمير بيوتهم ومدنهم وقراهم وبلداتهم، ويعيشون في أجواء البطالة والجوع وتردي الخدمات ودمار البنية التحتية.
بدأ الشعب السوري احتجاجاته وتظاهراته بمطالب محقَّة ومشروعة في الديمقراطية والعدالة الاجتماعية في مارس من عام 2011، ولكن استغلت بعض الأطراف العربية والغربية والأمريكية الوضع الناشئ آنذاك لتخلق حالة من الدمار والخراب، وحرف الاحتجاجات الشعبية عن مسارها السلمي والديمقراطي، وتحويلها إلى أعمال إرهابية، وهذا نهج القوى الإمبريالية في تدمير الدول المستقلة التي لا تروق لها ولا تنفذ سياساتها المعادية لتطلعات وآمال الشعوب، هي تدافع عن مصالحها وهذا مبدأها العتيد الثابت.
في الوقت الذي تجتاح بلدان العالم أجمع جائحة كورونا ( كوفيد 19) وما خلَّفتْه من تداعيات جمَّة في المجالات والقطاعات الحيوية، كالصحة والتعليم، وأوجه الاقتصاد وأنشطته المختلفة من الصناعة والتجارة والمال والسياحة، وتزايد البطالة والفصل من العمل وغيرها، ما يتطلب تركيز الجهود الدولية لمواجهة هذا الفيروس الشرس الذي يصيب ويفتك بالإنسان أينما كان على الأرض، وتحتاج الشعوب والبلدان لتبادل الخبرات الصحية والعلمية من خلال المساعدة والدعم المتبادل فيما بينها، نجد تمادي الإمبريالية الأمريكية في ممارسة سياسة الترهيب والتهديد، عندما نفدت “قانون قيصر ” ضد سوريا المنكوبة بالحرب والمحاصرة من مختلف الجهات.
وينص القانون الذي طرح منذ الأول من يونيو 2020، على “ملاحقة الأفراد والمجموعات التي تتعامل مع النظام السوري، بما في ذلك الذين يموِّلون النظام السوري، روسيا وإيران، سواء أكان هذا التمويل متعلقاً بأنشطتهم العسكرية أو جهود إعادة الإعمار أو انتهاكات حقوق الإنسان”، وفق ما صرح به المبعوث الأمريكي إلى سوريا جيمس جيفري .
وسبقت ذلك موافقة مجلسي النواب والشيوخ في الولايات المتحدة الأمريكية في 17 ديسمبر 2019 على هذا القانون الجائر، ثم وقع عليه الرئيس الأمريكي ترامب ليصبح قانوناً، وجرى تطبيقه على سوريا في السادس عشر من يونيو 2020 ليخنق شعبها ويزيد من معاناته، فلا يُراد له أن يتنفس الصعداء ليخرج من آثار الحرب ويعيد بناء وإعمار سوريا من جديد وإفساح المجال أمام المصالحة الوطنية بين السلطة والأطراف الوطنية السورية المعارضة .
إذا كان التعويل الأمريكي من وراء فرض هذا هو إضعاف النظام فيها، وربما إزالته، فإن هذا وهم، فخلف هذا النظام حليف استراتيجي قوي هو روسيا، لن يسمح بذلك مهما كلف الأمر، وسبق للمعارضة أن بسطت سيطرتها على ما يعادل ثلثي الأراضي السورية، لكن النظام ظلّ متشبثاً بالسلطة ولم يسقط. وبالتالي فإن التعويل على العقوبات الاقتصادية وسيلة لتحقيق هذه الغاية لن يؤدي إلى النتيجة المتوخاة.
وفي بلد يعيش الجزء الأكبر من أبنائه تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة، ويتوالى ارتفاع أسعار المواد الغذائية فيه باطراد، فإن “قانون قيصر” وعوامل أخرى كثيرة، بينها تفشي وباء “كورونا” وانهيار الوضع في لبنان، والخلافات في قمة هرم السلطة العائلي زادت من تدهور الوضع الاقتصاد، وتراجع سعر الليرة أمام الدولار، وشهدنا مظاهرات في مناطق معروفة تقليدياً بعدم انخراط سكانها في الحرب ضد النظام، كما هي الحال في السويداء ذات الأغلبية الدرزية، احتجاجاً على ذلك.
بالمقابل، وجدنا مظاهرات أخرى في إدلب التي يسكنها نحو ثلاثة ملايين نسمة، تحتج على الأمر نفسه، لكن ليس ضد النظام وإنما ضد “هيئة تحرير الشام”، المهيمنة على المدينة فهي من يديرها ويحدد أسعار السلع فيها. واضطرت بعض المؤسسات هناك إلى إقفال أبوابها، بسبب ارتفاع سعر الصرف، وهو أمر لا يضير النظام، وربما يخدمه. ولا يختلف الأمر في القامشلي الواقعة تحت سيطرة الإدارة الذاتية الكردية، فهناك أيضاً أقفلت محال، وتراجعت حركة الشراء بشكل ملحوظ في أسواق تكتظ شوارعها ومحالها ومقاهيها بالزوّار.
إن الغاية من وراء إصدار وتفعيل هذا القانون هي إبقاء الوضع في سوريا غير مستقر، وإيقاف عملية إعادة الإعمار، ما يمكّن المهجرين والنازحين من العودة إلى مناطقهم، والعودة التدريجية للأوضاع إلى طبيعتها، وبالتالي فالمطلوب، أمريكياً، إرجاء الحل السياسي إلى ما لا نهاية، وهو أمر، وإن كان يزعج النظام، إلا أن المتضرر الأكبر منه هم المواطنون السوريون المطحونون بالحرب والفقر والمعاناة، والذين يريدون لبلدهم أن يخرج من محنته التي أنهكتهم وأنهكته، إضافة إلى ذلك فإن تطبيق هذا القانون الجائر يؤثر أيضاُ على لبنان ويفاقم من وضعه المالي والاقتصادي ويعمق من أزمته الداخلية.
وفيما تعاقب الإمبريالية الإمريكية الشعبين السوري واللبناني وتفاقم من أوضاعهما الاقتصادية والمعيشية وتسبب لهما صعوبات عديدة ، فإنها تغض النظر عن السياسة الإستيطانية للكيان الصهيوني في الضفة الغربية والقدس ونشاط المستوطنين الصهاينة المتصاعد، والذي ينال الدعم والتأييد من ترامب وإدارته، مما شجع الصهاينة على المضي في مخططاتهم الاستيطانية التوسعية .
إن مسؤوليتنا كشعوب عربية وكقوى تقدمية ووطنية هي الوقوف مع الشعبين السوري واللبناني في صمودهما وتصديهما للمخططات الأمريكية والصهيونية، ومؤازرة نضال الشعب الفلسطيني لدحر الاحتلال الصهيوني وإقامة الدولة الفلسطينية الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس .