سنتطرق لبعض ما دوّن عن نشوء وتطوّر الحركة العمالية في البحرين، بعد أن تحوّل غالبية الكادحين في البحرين إلى عمال، خاصة بعد تأسيس شركة بابكو.
خاضت الحركة العمالية البحرينية نضالات مطلبية، حقوقية ونقابية، أفضت إلى تحقيق الكثير من المنجزات عبر مراحل زمنية مختلفة، قدّمت خلالها تضحيات جسيمة، من خلال الكوادر العمالية، خاصة منها تلك التي ساهمت في العمل الوطني عبر وقفات بطولية، منها تنظيم الاضرابات والاحتجاجات والمسيرات.
قبل ظهور الحركة العمالية، كان غالبية السكان في المدن والأرياف من الفلاحين والحرفيين، فبعض الفلاحين امتلكوا أراض يعملون عليه، فيما عمل كثيرون كعمال زراعيين في الأراضي التابعة للملاك شبه الإقطاعيين، كما كان البحر هو مصدر الرزق للألوف من الكادحين، ومنهم صيادي اللؤلؤ الغواصين الذين عانوا كثيراً من صنوف القهر والاستعباد، ولهم أيضاً مواقف بطولية في الدفاع عن حقوقهم باحتجاجات غالباً ما جوبهت بالقمع.
وهناك صيادو الأسماك، والعاملون في استخراج الرمال والحصى البحري لإستخدامه في البناء، كما اشتهرت البحرين بصناعة السفن بأحجام مختلفة، وكانت تباع لدول الخليج ودول الجوار مثل سواحل العراق وإيران، كما اشتغل الكثيرون على صناعة أدوات صيد الأسماك، وصناعة الفخار والنسيج، فضلاً عن مهن الحدادة والنجارة والبناء، وبعض من عملوا فيها هاجروا للعمل في دول الخليج، وبينهم من استقرّ هناك.
شكّل اكتشاف النفط وتسويقه إيذانا بانشاء المرافق، وتشييد الطرق وشبكات الكهرباء والماء والمواصلات، ونشأت للأيدي العاملة الوطنية والاعتماد عليها بصفتها عمالة رخيصة، فالتحق بالعمل في شركة بابكو الألوف من الكادحين الذين تدرجوا في العمل بالاستفادة من خبرات الأجانب وفيما بعد من التدريب والتعليم.
وهكذا نشأت لبنات الطبقة العاملة البحرينية الفتية الصناعية، رغم الظروف الصعبة التي عانى العمال منها، جراء تعرضهم للاستغلال البشع في ظلّ هيمنة الاستعمار البريطاني، فتبلور الوعي في صفوف العمال تدريجياً.
خاض العمال في (بابكو) العديد من الاحتاجاجات، ذات الطابع العفوي وغير المنظم حتى تفجر أول اضراب منظم للعمال عام 1938 في قسم الخزّانات في سترة، وطرحت فيه مطالب دفع علاوات للعمال العاملين في النوبات الليلية، والمساواة مع العمالة الأجنبية في الأجور، وتوفير سبل السلامة والمواصلات ، إضافة إلى المطالبة بتشكيل النقابات العمالية.
وفي أواخر عام 1942 قام عمال النقل التابع لشركة بابكو باضراب آخر، تلاه اضراب أقوى في 22 ديسمبر من عام 1943، تركزت فيه المطالب على تحسين ظروف العمل، رفع سقف الرواتب المتدنية، ضرورة توفير سبل التدريب للعمال، وأن تكون الجمعة من كل أسبوع يوم عطلة للعمال مدفوعة الأجر، ووقف الغرامات التي كانت تفرض على العمال جراء بعض الأخطاء البسيطة وغير المقصودة.
ومع تأثر الحركة العمالية البحرينية بالمدّ الثوري بالوطن العربي، اليساري والقومي، دخلت في ترابط عضوي مع القوى الوطنية المختلفة والحركة الجماهيرية بشكل عام والتي كانت آنذاك تطالب بالاستقلال الوطني.
وفي العام 1954 تأسس اتحاد العمل البحراني ليكون محطة مضيئة في مسيرة طبقتنا العاملة، في إطار النهوض الوطني بقيادة حركة الهيئة، ولقى الاتحاد تجاوباً منقطع النظيرمن ألاف العمال، وتقول بعض المصادر أن عدد أعضائه بلغوا 11 ألفاً، وأسندت قيادة الاتحاد للمناضل الوطني عبدالرحمن الباكر.