استفدت من منهجية هادي العلوي في دراساته الإسلامية، فأصبحت المصفاة التي استخدَمها في إرجاع النص لسياقه التاريخي مفرقا بين مراده في زمن النبي وما طرأ عليه من تفسير وتأويل أهل الفِرق والمذاهب وأهوائهم بعدها عالقة في ذهني، فكانت مصفاته مثل حائط صدّ أمام ما يرد علي من نصوص دينية تتخطى سياقها التاريخي والزماني، وأصبحتُ أشك في كل ما يرد علي من تأويل أهل المذاهب، أو التفاصيل الدقيقة التي ترويها الشخصيات التاريخية عما سيحدث بعد موتها.
يفكك هادي العلوي هذه النصوص فتجد أنها توضع بعد حدوث الحدث. فالنص لا يتخطى تاريخه إلا من خلال تأويل الجماعة التي يعيش النص معها، فتمطُّهُ إلى حقبتها التاريخيه وتأوله وفق سياقاتها لا سياقاته. وتقوم الجماعات بتأليف نصوص أخرى على لسان الموتى.
ففي كتابه “في السياسة الإسلامية” يقول في سبب نزول الآية ٥٩ من سورة النساء “يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول…” أن النبي بعث خالد بن الوليد في سرّية إلى حي من أحياء العرب وكان معه عمار بن ياسر، فسار خالد حتى إذا دنا إلى القوم سار ليلاً لكي يداهمهم عند الصباح، فأتاهم النذير فهربوا عن رجل كان قد أسلم. وانطلق الرجل حتى أتى عسكر خالد ودخل على عمار فقال: يا أبا اليقظان إني منكم أفنافعي أنت أو أهرب؟! فقال: أقِم. وأصبح خالد فأغار على القوم فلم يجد غير ذلك الرجل فأخذه وأخذ ماله، فأتاه عمار فقال: خل سبيل الرجل فإنه مسلم وقد أعطيته الأمان وأمرته بالمقام.
فقال خالد: أنت تجير علي وأنا الأمير؟ فقال نعم أنا أجير عليك وأنت الأمير. فكان بينهما كلام في ذلك فانصرفوا إلى النبي فأخبروه خبر الرجل فأجاز النبي أمان عمار ونهاه أن يجير بعد ذلك على أمير بغير إذنه. وقد جاءت الآية لحسم النزاع ولتأكيد وجوب طاعة قائد السرية المكلف بقيادة جيش المسلمين في زمن النبي وهو المقصود بعبارة (أولي الأمر).
لكن بنظرة سريعة ومع تطور تاريخ الإسلام السياسي ونشوء الفرق والمدارس ثم المذاهب والطوائف تم تحوير المعنى المراد من “أولي الأمر” فهو الخليفة المسلم ومن بعده الحاكم المسلم فيما يخص علماء السنة، إنه واجب الطاعة وإن زنا وإن سرق حسب قول المرجئة. أما تفسير الشيعة فنجد اتفاق على كون أولي الأمر تدّل على الأئمة من بني هاشم، وأصبحت اليوم تطلق على من ينوب عنهم من المراجع المتفقهين في الدين.
وحدثنا في كتابه “من قاموس التراث” عن حديث الفرقة الناجية: ستفترق أمتي اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة. وباختلاف تخريجاته. إلا أن النبي في عهده لم توجد هذه الفرق ولم يخبر عن فرقة ناجية. وكان هدف الإسلام كما جاء به النبي توحيد القبائل حول فكرة هي أوسع مما تتصارع عليه داخل دياناتها الوثنية: “واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا”. فالنجاة بالوحدة لا الفرقة.
تكمن أهمية مشروع هادي العلوي في قراءة التراث أنه يمنح القارئ إستقلالية في التعامل مع التراث من خلال منهجيته التحليلية ونزاهته التي تبتعد عن تقديس الشخوص. وأفرد فصلا بعنوان الحسين في كربلا في كتابه “شخصيات غير قلقة في الإسلام” وهي ترجمة لثورة الحسين ومقتله وتاريخ نشأة المآتم ورثاء أهل البيت بعد ان قام بإزالة عوالق اللغط الديني عن الشخصية، بالإضافة إلى سعة المصادر والتوجهات التي ينفتح عليها القارئ في أعماله الخاصة بالدراسات الإسلامية وتاريخ السياسة في الإسلام.