بمناسبة أربعينية الراحل العزيز الفنان سلمان زيمان عرض المنبر التقدمي فيلماً يسجل بعض مراحل ومحطات وإبداع وسجايا فناننا الراحل “بو سلام” من خلال الحديث مع شخصيات اقتربت منه كإنسان مناضل وفنان مبدع، سخر حياته للفن الملتزم عبر مسيرة فنية متميزة، في زمنٍ تراجع فيه الإبداع وتقلصت مساحة الفن الراقي الملتزم بقضايا الإنسان والوطن.
أذكر جيداً كيف أبهرنا “بو سلام” بفنه وبصوته المميز مع بدء سطوع اسمه فنياً، وتحديداً في أوساط طلبة البحرين في الداخل والخارج نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات القرن الماضي، حينها كان وكنا طلاباً متوزعين في الجامعات ومعاهد الدراسة خارج الوطن، وفي بقع جغرافية متباعدة أحياناً حول عالمنا الواسع، الذي كان حينها يضج بصعود لافت للعديد من الحركات الوطنية والسياسية عربياً ودولياً، بمثل ما كان يضج بأفكار التنوير والتقدم، ويفرد مساحة مهمة لكوكبة من الفنانيين العرب الذين أبدعوا ودعموا قضية شعبنا الفلسطيني الصامد، وكان سلمان زيمان و”فرقة أجراس” في مقدمة هؤلاء المبدعين المتميزين.
اللافت أن فناننا الراحل “بو سلام” كان صعوده بداية كمحبٍ وعاشقٍ للأغنية اليمنية بما احتوته من تاريخ وعبق ومعان وكلمات وألحان مميزة لدينا نحن أهل الخليج عامةً، إلا أن سلمان زيمان بما تشرّبه من فكرٍ وقيم تقدمية ووطنية وقومية، كان قد استطاع أن يُوّظف بوعي إمكانياته الفنية وصوته القوي المميز لاحقاً، وبمعية “فرقة أجراس” التي أسسها مطلع الثمانينات مع مجموعة من إخوانه وأخواته ورفاق دربه، في خدمة القضية الفلسطينية والقضايا الوطنية والقومية، وعبراختياراته المميزة لقصائد شعراء كمحمود درويش وتوفيق زياد وسميح القاسم وأبو القاسم الشابي وصلاح عبدالصبور وغيرهم من القامات الشعرية والأدبية والفنية الكبيرة، بالإضافة إلى قامات بحرينية وخليجية من بينهم علي عبد الله خليفة وإبراهيم بوهندي وعبدالحميد القائد وفتحية عجلان ومسفر الدوسري وغيرهم، وكانت جميعها مساهمات تعجّ بحب الأرض والوطن والقضية، وهكذا استمر مشواره الفني بزخمٍ أكبر لاحقاً، حتى برز بعدها كوجه بين أهم الفنانين العرب الملتزمين بالفن الجاد وبقضايا الوطن والقضية الفلسطينية.
وإذ نحتفي بأربعينية الراحل العزيز، فإننا نحن أصدقاؤه ورفاق دربه، سنظل نستشعر وجوده بيننا بصوته وانتماءه وحبه لأرضه ووطنه ولقضايا أمته، وللكلمة الراقية وللمعاني الإنسانية النبيلة التي دافع عنها سلمان زيمان طيلة مشواره الفني الحافل، وبالطبع سنظل نستشعر وجوده الدافىء بيننا، ونحن نتابع تكالب قوى الشر على أمتنا وقضيتنا الأولى: القضية الفلسطينية، ومعاناة شعبنا العربي الفلسطيني في الداخل والشتات، في زمنٍ تتهافت فيه أقلام مأجورة ووسائل إعلام وحكومات مندفعة بسرعة البرق للإرتماء في أحضان عدوٍ يتربص بأمتنا وبخيرات ومستقبل شعوبها وسط عالمٍ يضجّ بالتحولات الجارفة التي تنذر بعواقب وخيمة لا نعرف مداها.
ويبدو أن “أبا سلام” الذي استعجل الرحيل، قد اصرّ أن يغادر دنيانا تاركاً لنا أن نعيش غصةٍ توالي فراق الأحبة والسقوط المدوي لمسلمات وقيم ومبادىء وأخلاقيات طالما تمسكنا وسنظل متمسكين بها، وفاءً لضمائرنا التي ترفض السقوط، واحتراماً للراحلين ممن حملوا مشاعل الحرية والتنوير وقضايا الإنسان، كما حملوا أوطانهم وقضايا شعوبهم وهم القابضون على الجمر في زمن السقوط والخيبات.
في أربعينية راحلنا العزيز بو سلام نقول له: نم قرير العين، وستبقى رسالتك وأفكارك ومبادؤك الوطنية والإنسانية التي ضحيت وناضلت من أجلها مع المئات بل الآلاف من محبي الحرية والتقدم في وطنك وأمتك، وسيزهر عالمنا البائس حتماً مستذكراً بفخر كل الراحلين الأوفياء.
آخر مرة ظهر فيها سلمان زيمان أمام الجمهور في احتفالية المنبر التقدمي بالذكرى 65 لتأسيس جبهة التحرير الوطني في 15 فبراير 2020