أيها المارون بين الكلمات العابرة
آن أن تنصرفوا
وتقيموا أينما شئتم ولكن لا تقيموا بيننا
آن أن تنصرفوا
ولتموتوا أينما شئتم ولكن لا تموتوا بيننا
فلنا في أرضنا ما نعمل
ولنا الماضي هنا
ولنا صوت الحياة الأول
ولنا الحاضر، والحاضر ، والمستقبل
ولنا الدنيا هنا .. والآخرة
محمود درويش
نبدأ مقالنا بهذه الأبيات الرائعة للشاعر الفلسطيني الكبير الراحل محمود درويش، لنقول إن أفظع شيء هو تبرير عملية التطبيع من قبل مثقفين وكتاب خليجيين يريدون ترسيخ ثقافة التطبيع مع الكيان الصهيوني بأقوال وكتابات لا يمكن أن تصدق كيف لهذا المثقف أو الكاتب الذي كان بالأمس القريب يكتب عن القضية الفلسطينية وعن أطفال فلسطين الذين يُقتلون في وطنهم أو الذين يشاهد العالم بكاءهم وجرافات الاحتلال الصهيوني تهدم بيوتهم في القدس الشرقية، لتحرمهم من العيش في بيوتهم وتريد ان تمحي ذكرياتهم.
عرضت العديد من القنوات الفضائية تلك المشاهد المؤلمة، والبعض من أطفال فلسطين لازال آباؤهم في السجون والمعتقلات الصهيونية، فماذا عسى هؤلاء المطبلين لسياسة التطبيع مع العدو الصهيوني أن يقولوا إلى أطفال فلسطين لكي يبرروا التطبيع مع من يسلبهم حقوقهم المشروعة حتي في العيش بسلام، تطبيع يبرر أفعال القتلة الصهاينة وعنصريتهم تجاه الشعب الفلسطيني، الذين فاقت عنصريتهم وأفعالهم الإجرامية ما قام به نظام نظام الفصل العنصري البائد في جنوب أفريقيا.
ألم يصدر قرارعن الجمعية العامة للأمم المتحدة ( 3379 ) في 10 نوفمبر من عام 1975 باعتبار “الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري”، مطالباً جميع دول العالم بمقاومة الأيديولوجية الصهيونية التي تشكّل، حسب القرار، خطراً على الأمن والسلم العالميين. ولكن القرار أُلغي في عام 1991 عندما اشترطت (إسرائيل) ذلك لقبولها المشاركة في مؤتمر مدريد.
وبالرغم من إلغاء القرار، استمرت الحكومات الصهيونية المتعاقبة في الممارسات العنصرية ضد أبناء الشعب الفلسطيني من سيِّئ إلى أسوأ بالأخص مندذ مجيء رونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، وما قام به من نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس بتاريخ 14 مايو 2018، وإغلاق مكتب بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن بتاريخ 10 سبتمبر 2018 وكذلك قراره بوقف الدعم المالي لوكالة الغوث “الأونروا” التي تُعنى بشؤون اللاجئين الفلسطينيين، في محاولات للضغط على القيادة الفلسطينية لكي توافق على المشاريع التآمرية الأمريكية والصهيونية بما في ذلك “صفقة القرن”. يفعل ترامب ذلك وهو الذي يوشك على انتهاء ولايته في نوفمبر القادم 2020، ولا نعرف ما إذا كان سيُنتخب من جديد في ظل استمرار التظاهرات في العديد من الولايات ضد سياساته العنصرية وإخفاقه في التعاطي مع وباء كورونا، وقضايا عديدة، داخلية وخارجية.
المستفيد الأوحد من سياسته هو الكيان الصهيوني وبشكل خاص حكام هذا الكيان، وينتظر نتنياهو العديد من المحاكمات في قضايا فساد متورط فيها، وهناك مظاهرات مستمرة ضده منذ أشهر وضد سياساته، فاتفاقيات التطبيع الموقعة تساعد قوات الاحتلال الصهيوني المعادية للفلسطينيين والعرب وتشجعها على التمادي في قمعها وقتلها لأبناء الشعب الفلسطيني والاستمرار في دعم المستوطنين، وضم العديد من الأراضي في الضفة الغربية، وتحت يافطة شعارهم القديم (السلام مقابل السلام) وشعارهم الجديد (الاقتصاد مقابل الاقتصاد)، وليس (السلام مقابل الأرض).
أكدّ الأمناء العامون للفصائل الفلسطينية على ذلك في مؤتمرهم المشترك المنعقد بتاريخ 10 سبتمبر 2020 في بيروت ورام الله في نفس الوقت، وجاء في مقدمة بيانهم (في هذه اللحظات المصيرية من تاريخ شعبنا، والتي تتعرض فيها قضيتكم المركزية لمخاطر التآمر والتصفية ومحاولات اختزالها في حلول معيشية، وتجريدنا من حقنا في تقرير مصيرنا، وإقامة دولتنا المستقلة كاملة السيادة على حدود الرابع من حزيران عام 1967، والقدس المحتلة عاصمتها، كما نصت عليه وثيقة الوفاق الوطني، وحل قضية اللاجئين وحقهم في العودة إلى ديارهم الذين هجروا منها على اساس القرار 194، تأتي المؤامرات والمخططات التي تقوم بها حكومة الاحتلال والإدارة الامريكية الحالية، من خلال صفقة القرن ومخططات الضم، وتمرير التطبيع المجاني الذي رفضه شعبنا بأكمله).
من يعمل ويشجع التطبيع مع الكيان الصهيوني عليه أن يتعلم الدرس الأبلغ ويستفيد من التجارب العربية السابقة، وبالأخص الاتفاقيات مع مصرعام 1978 ومع الأردن عام 1994، فماذا حققت على شتى الاصعدة، ليجري الحديث عن الفوائد الاقتصادية والتجارية والصناعية والسياحية، المتوقعة من التطبيع الجديد؟. ويمكن العودة إلى الكتابات والتقارير الصحفية العديدة التي كتبت من قبل كتاب وشخصيات أردنية وازنة، فهي تذكر ذلك وبالتفاصيل .
أما القول بأن هناك مخاطر تهدد دول المنطقة من هذا الطرف أو ذاك، فيتطلب تقوية الجبهة الداخلية لكل دولة والاعتماد على الشعوب، فهي السند والحامي لبلدانها عند الشدائد، وتجربة احتلال دولة الكويت الشقيقة من قبل نظام صدام في أغسطس 1990، ماثلة أمام الجميع، حكاماً وشعوباً، يجب تقييمها والاستفادة من تلك الأخطاء، بتعزيز الحريات العامة وتطوير التحولات الديمقراطية وترسيخ مفاهيم المساواة والعدالة الاجتماعية، وهي كفيلة بتقوية الجبهة الداخلية والتصدي للتهديدات الخارجية المحدقة بأوطاننا وشعوبنا من أي جهة كانت، وحل الخلافات والإشكالات بين دول مجلس التعاون الخليجي، فكل تلك عوامل تساعد على التهدئة والاستقرار وتقوي من أواصر العلاقات الأخوية والتعاون بين الأشقاء في الخليج العربي والمنطقة وتؤدي إلى الاستقرار والأمان والتنمية في بلداننا، أما التطبيع مع الكيان الصهيوني لن يجلب الاستقرار والسلم لبلداننا وشعوبنا طالما هو مستمر في احتلاله للأراضي الفلسطينية والعربية ويقف ضد إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.