يتفق الجميع على أن العمالة غير المنظمة فى حدّ ذاتها، هى ظاهرة عالمية الطابع، وتعانى منها الدول المتقدمة مثلما تأن من وطأتها الدول النامية، وهي ليست وليدة اليوم، إلا أن تقدّم وتطور البشرية، الذي بدأ مع الثورة الصناعية ساهم في تغيير نمط الحياة وفق متطلبات المرحلة عند انشاء المصانع بما تحتويه من عمالة منتظمة فيها، مما أضفى على جميع جوانب الحياة صفة التنظيم وعلى جميع الصعد الاجتماعية والاقتصادية وغيرها من الأنشطة الانسانية، مع بقاء هذه الظاهرة بدرجات متفاوتة بين بلد وآخر لعدة عوامل.
فوفق تعريف منظمة العمل الدولية؛ يضم الاقتصاد غير المنظم كل الأنشطة الاقتصادية للعاملين، وكذلك الوحدات الاقتصادية التي لا تشملها الإجراءات الرسمية ومقتضياتها التنظيمية والتشريعية، وبذلك فإن فئة العاملين في هذه القطاعات والأنشطة لا تشملها القوانين، أو لأن القوانين التي من المفترض أن تحميهم غير مطبقة.
وينتج من هذا التعريف أن الاقتصاد غير النظامي أو (غير المنظم ويسمى أيضاً غير المهيكل أو غير الرسمي) يفتقر إلى الآلية التنظيمية، وبذلك ينعدم فيه تطبيق ما تنصّ عليه قوانين العمل والحماية الاجتماعية وغيرها من القوانين، بما فيها افتقار العاملين فيه لحقهم في التنظيم النقابي.
وبالمقاربة الحقوقية للموضوع، لمفهوم “العمل غير المنظم” وما ينتح عنه من صعوبة، إذا لم نقل انعدام امكانية تحقيق شروط العمل اللائق، والتي تتطلب ضمان التحقق من العديد من الحقوق الأساسية في العمل وتتمثل في أوجه المعاناة التالية للمصنفين تحته:
o عدم خضوعهم للقانون أو في الممارسة.
o لا يتمتعون بالحماية الاجتماعية (التأمين الاجتماعي – تعويضات التعطل)
o ساعات عمل غير محددة ولا يتحصلون على إجازة السنوية أو مرضية مدفوعة الأجر.
o أجور خارج سلم الأجور المعتمدة أو المحددة.
o أصحاب عمل غير محددين ومواقع عمل غير محددة وبدون عقد عمل.
o افتقادهم للإخطار المسبق بالفصل من العمل، أو تعويضات الفصل عن العمل.
o لا معايير واضحة لتعريف الوظائف والمهن.
o وغالباً ما تنتشر بينهم الوظائف المؤقتة، أو الوظائف ذات المدة القصيرة والمحددة؛ والغالب منها خارج بيانات العمل الوطنية أو أنها تساهم في التضليل عليها.
وقد شهدت هذه العمالة طفرة في أعدادها، وذلك بسبب سياسات العمل المتوافقة مع توجيهات المؤسسات المالية الدولية (صندوق النقد والبنك الدولي)، والتي تقوم على أساس إنهاء تدّخل الدولة لتقنين سوق العمل، أو كما تطلق عليه ( تفعيل مرونة سوق العمل) عن طريق إزالة هذه القيود، بتغيير قوانين العمل تحت ذريعة إستقطاب مزيد من الاستثمارات الخاصة، ولتحسين التنافسية للرفع من قدرة الاقتصاد، ومن أجل تقليص تكاليف التشغيل ويتضمن تسهيل عمليات التوظيف والتسريح، ورفع القيود عن العمل بعقود محددة الأجل، وإعطاء أصحاب الشركات حرية أكبر لتحديد ساعات العمل. هذا عدا عن خصخصة القطاع العام، خاصة في القطاعات الخدمية (كهرباء – صحة – تعليم – مواصلات .. وغيرها).
ويؤكد صندوق النقد الدولي على أن مرونة سوق العمل يعدّ عاملًا أساسياً في قياس سهولة ممارسة أنشطة الأعمال التي يعتبرها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي مدخلًا أساسياً لتحرير طاقات القطاع الخاص، خصوصاً ما يتعلق بتوظيف العاملين، وفصلهم من الخدمة بسبب “التوظيف المفرط” وبذلك يتم تخفيض تكلفة الفصل.
ودائماً ما تكون وصفة هذه المؤسسات لجميع الدول لمواجهة أزماتها الاقتصادية ضمن حزمة الشروط للحصول على القروض المطلوبة وتترافق مع:
• تجميد أو خفض التوظيف في القطاع العام
• إخراج أعداد كبيرة من العملية الانتاجية لسياسات الخصخصة في القطاع العام والقطاع الخاص.
• عدم إستيعاب الداخلين الجدد لسوق العمل من المواطنين.
• توفير العمالة من مقاولين الباطن.
• مزيد من تسهيلات جلب عمالة وافدة متدنية الاجور.
• غياب وإفتقار شبه تام للعديد من الحقوق لقطاع كبير من أعداد القوى العاملة.
وأدى تراجع العمل الرسمي المهيكل أو المنظم الى نتائج تجلت في:
• تنامي أعداد العمالة غير النظامية وبعدة أوجه في ما بين العمالة الوافدة (السائبة وحاملي الترخيص المرن)، وذلك لعدة أسباب من ضمنها المتاجرة بالتأشيرات أضف اليه ما ينتج عن تعثر بعض اصحاب الاعمال مما يؤدي الى عجزهم من دفع مستحقات عمالهم خاصة حق مكافأة نهاية الخدمة، التي تتراكم على صاحب العمل، نتيجة لعدم خضوع هذه العمالة لمظلة التأمين الاجتماعي، مما يؤدي إلى تهريب هذه العمالة إلى السوق كعمالة سائبة والتي عالجتها الجهات التنفيذية بالتصريح المرن.
• ندرة فرص العمل وإنعدامها في العديد من التخصصات مما أدى إلى بطالة لأعداد كبيرة من العمالة الوطنية ولسنوات طويلة، حيث توجهوا إلى هذه الأعمال وخاصة في صفوف النساء.
• إنسحاب الدولة من مسؤوليتها المجتمعية في عدة مجالات ومن ضمنها مسؤوليتها في كفالة الحق في العمل بتقديم مشاريع هشة تعتمد على مثل هذه العمالة وتنتقص العديد من الحقوق، ومن الأمثلة عليها (العاملات في حياكة الصوف، أو الرائدات الاجتماعيات وكذلك العاملين في مشروع المنزل المنتج .. وغيرها).
• تنامي العمل غير المهيكل.
• تراجع في منظومة التنظيم العمالي كنقابات.
وهنا يبرز سؤال عن الحجم الحقيقي لأعداد هذه العمالة والقطاعات التي تعمل فيها في البحرين:
لغياب الإحصائيات الرسمية ولإفتقارنا إلى مراكز الدراسات المستقلة، ولتداخل بعض الإعتبارات لدى المسؤولين في الجهات التنفيذية بتجاهل أو عدم الإعتراف بهذه الظاهرة أو التقليل منها، سنستقي مما يرشح من بعض التصريحات والإعلانات الرسمية، ومن خلال هذه التصريحات نقدرها كالأتي:
في صفوف العمالة الوافدة هناك ما يقارب 30 ألف من حملة الترخيص المرن، إضافة إلى ما يزيد على 50 ألف من العمالة السائبة ايضاً (بما مجموعه أكثر من 80 ألف عامل) من العمالة الوافدة.
بالنسبة للبحرينين، حاولت أن استنبط بعض الأرقام من التصريحات وبعض الإحصائيات الرسمية.
فوزير العمل يذكر في منشور على موقع الوزارة الإلكتروني عن أعداد ونسبة البطالة في عام 2018 أن إجمالي عدد القوى العاملة الوطنية هو 197123 بينهم 8399 عاطل عن العمل، وبمقارنتها بإحصائيات هيئة التأمين الاجتماعي من المواطنين التي تبين أن أعداد المشتركين في هيئة التأمين الاجتماعي في نفس الفترة ما مجموعه 147458 مشترك بحريني يتضح عندنا أن عدد غير المؤمن عليهم 41266 وبنسبة يقارب الـ22% بين العمالة الوطنية، وهم من أشار إليهم الوزير من العاملين كسواق وأصحاب مهن .. الخ، اي ممن يعدّون عمالة غير منظمة.
وبذلك يمكن القول إن أكثر من خمس العمالة الوطنية تعمل في هذا القطاع، علاوة على ما يقارب 16% من العمالة الوافدة وبمعدل إجمالي يفوق 17.5% .