قبل أعوام، اتفقنا نحن الثلاثة على أن نلتقي في منزل الموسيقار خليفة زيمان، في أحد أحياء منطقة قلالي بالبحرين، وذلك بغرض عرض أعمال مشروع مجموعة “غناتي القطيف” ومناقشة سُبل تسجيلها وتوزيعها.
وصلتُ وشكري عاشور إلى منزل خليفة أولاً. بعد أن استقبلنا خليفة وتوجهنا مباشرة إلى الغرفة المخصصة للأعمال، وما هي إلا دقائق حتى التحق بنا سلمان.
كانت المرة الأولى التي ألتقيه، كان كما هو في الإعلام، متأنقاً ببساطة، ذاك التأنق الذي يستلزم المرء أعواماً طوالاً حتى يتقنه، فائضاً بالحيوية والحماسة. سلم علينا كمن عرفنا منذ سنين بعيدة، واستمع إلى كلمات أخيه خليفة التعريفية بالمشروع، ومع كل كلمة لخليفة كان يهزّ رأسه ويومئ بعينين تطلب الاستزادة والاسترسال.
بعدما تحدث شكري عن أهداف المشروع، لم يخامرني شك في حقيقة شعور سلمان عندما عبّر عن إعجابه بالمشروع، لم يكن من أولئك الذين يقولون ما لا يضمرون، كان صادقاً ولم يكن في حاجة لادعاء الصدق.
استمع إلى جميع أعمال المشروع، بصوت شكري، مع تعليقات قصيرة بين المقطع والآخر من أخيه خليفة، استمع بكل ذائقته، بكل فنه، استمع بكل تاريخه لكل كلمة ونغمة وفاصلة، في لحظات، كان يُشتتُ هذا التاريخ، كان يهدّ جدران السنين بتعليق يخرج من فم يافع مؤمن بفنه وبموسيقاه وبرسالته، وبنظرةٍ تبرق من عينيْ طفل للتو بدأ يستكشف صوته وآلته، للتو بدأ يقلب بين يديه خياراته في الحياة.
بعد أن انتهى شكري من عزف جميع أغنيات المشروع، بادر سلمان بتحيتنا، تحية كبير لكبيرين، كان من أولئك النبلاء الذين إن حدّثوك قاسموك النبل والكبر، وخاطبوا فيك المستقبل الذي يرونه أو يأملونه.
التفت إلى كل شيء في أعمالنا، بدءاً من الكلمة حتى مقترحات التوزيع التي اقترحها أخوه خليفة، وأشار إلى كل جميل في أعمالنا. استوعب الأعمال برغم جدّتها كمن شربها وتنفسها. حينها أدركت كيف أن النيّرين يجيدون إشعال الجمال في كال ما تطاله أيديهم.
انسحب من اللقاء قبل نهايته، بقينا الثلاثة نناقش بعض النقاط المتفرقة. انسحب قبل أن نكتفي منه، ودون أن نشعر بخسارته!
مثلُ سلمان، يهبُك كلّ شيء دفعة واحدة. في لحظة واحدة يندفع إليك كنهر، يهزُ غصونه بعنف كي تتساقط عليك كل ثماره، يُمطر بكل ما فيه مطر.
بعد هذا اللقاء، التقيته آحاد مرات، بعضها كان خاطفاً، وبعضها امتد لساعات، وفي كل مرة كان يأتي بالتأنق ذاته، وبالحيوية والحماسة. يلتقيك كأنك صديق قديم فارقك دون وداعٍ شافٍ.. تمامًا كما انسحب من هذه الحياة!
• كاتب من السعودية، نقلاً عن الموقع الإليكتروني: صحيفة صبرة