التجربة تبدأ في النهاية، من كثافة الصمت، من الفزع اللإرادي وهشاشة أول الصباح، من صرير الاحتمالات وإنغلاقها بشدّة على أطراف الروح، من الدمع المفاجىء والضحك المفاجىء والصمت المفاجىء، التجربة تبدأ في النهاية من طحالب الحنين والأظافر الحادة للكلام الأخير.
التجربة تبدأ في النهاية من السيناريو الطويل للتفاصيل، من بروفة الكلام المتخيّل، من الالتباس والخوف واللامعنى، من مكتب البريد والكتب المتبادلة، التجربة تبدأ في النهاية من عطر زهرة الكرز اليابانية و(تعالي نحكي)، التجربة تبدأ في النهاية وأنت تمعن في غناء مفتعل بينما الروح بكامل نشيجها وارتجافها، وأنت تسند روحك على الكتف النيئة للحقيقة أو تتركها تحت أقدام المعنى.
الآن كل شيء بخير، كل ما يتوجب في تجربة كهذه: سحق الصلصال الآدمي المشبّع بتجارب الوهم والشِعر والتفاصيل، المشي في الأرض المترعة بتاريخ من الضحك والدموع من الخرس والكلام، من الوصل والهجر وما بينهما..كل ما يلزم الآن الصمت الطويل الذي لا يقصد سوى ذاته.
يمكنني الآن النظر لروحي أكثر، معرفة ما أحبّ وما أكره، يمكنني تجربة أمور لا تهم أحداً مثل: ثقب إضافي في أذني كي تصلح لأكثر من قرط، تدريب أصابعي على الأورغ، تربية حيوان أليف، الالتفات لكل ما يشغلني لذاته دون ظلال الآخر.
يمكنني الآن الالتفات لمفضلاتي العريقة:
عطر جينفر لوبس، (لوليتا) فيلمي الأثير عن موضوعي الأثير، عيون أحمد زكي في فيلم (الراعي والنساء)،الاكسلفون، والتاتو وأصباغ الشعر، الشاي بالهيل وأغنيات حليم، والشمس والخرزة الزرقاء، والقطط وريش الطاووس وزهرة عباد الشمس والأقراط والأسماك الملونة
والسماء في لوحة فان كوخ (ليلة النجوم)، قصائد نزار والماغوط وابن زيدون.
أعرفني جيداً..أحب من السفر الطائرة وغرف الفنادق، من السينما الصورة الموازية للحياة، من القطط محبتها للحنان، من المراهقين أرواحهم المتهورة، من المرايا احتفاظها بنسخة طبق الأصل من أي شيء بصرف النظر عن مدى قبحه أو جماله، من الموسيقى الكلام الذي يقوله الصمت، من البحر الزرقة والمحار، من السماء الامتداد والرحابة، من الشمس لعبة الضوء والظل. أحب من الأسرة الامتداد الذي قد لا يعني شيئاً وفي لحظة قد يعني كل شيء. أحب من الأسئلة احتمالات الإجابة، ومن المرض هاوية الزُهد والخفة.
أنا بخير…كانت محاولة، إنعطاف، صدفة، احتمال، وهم، دائرة، كانت كلاماً، زمن، هاوية، حنين، ضربة فرشاة..وكانت عمى. في صحتك، في صحتكم..في صحة عشاقنا.