أقرّ مجلس النواب في جلسته رقم 29 من الدورالانعقاد الثاني من الفصل التشريعي الخامس المنعقدة في يوم الثلاثاء 28 أبريل 2020 مشروع قانون العدالة الإصلاحية للأطفال وحمايتهم من سوء المعاملة المقدم من الحكومة، وبدون الدخول في تفاصيل مواد القانون ورغم ملاحظاتي على بعض المواد، وخاصة المادة الثانية من مواد الإصدار، إلا أن جوهر هذا القانون يُمثل تطوراً نوعياً لمنظومتنا التشريعية في هذا المجال، حيث يستند في مبادئه على تحقيق مفهوم العدالـة الإصلاحية للاطفال، وهو من التشريعات التي ما فتأت المعاهدات والتشريعات الدولية تحث على الأخذ بها، مما يساهم في تحقيق العدالة بمفهومها الشامل “القضائي والاجتماعي والاقتصادي”، وفي سبيل تحقيق مصلحة الطفل الفضلى التي نصّ عليه العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المادة (10 ) الفقرة 3 والتي تنص على “وجوب اتخاذ تدابير حماية ومساعدة خاصة لصالح جميع الأطفال والمراهقين”.
وفي هذا الاتجاه لا يختلف اثنان على حاجة الأطفال في تحقيق العدالة في أي مجتمع، وينبع ذلك من كونهم يمثلون رجالات مستقبل أي مجتمع بهم يضمن تقدّمه وضمان استقراره، وتمتد مسؤولية حماية هذه الفئة ليس فقط على الأسرة والمؤسسات الحكومية، بل إلى مؤسسات المجتمع كافةً، وتقتضي إيجاد آليات ناجعة وتشريعات متطورة للحفاظ على كرامة هذه الشريحة من المجتمع.
وحسنٌ ما نصّ عليه هذا المشروع وآلية إصداره مستقلاً وبمواصفات تحقق مصلحة الطفل. بحيث يحقق الغاية المشار إليها و يخرج الطفل من إطار القانون العقابي وإجراءاته الجنائية إلى مفاهيم قوامها الوقاية والحماية والإصلاح، ويفسح المجال أمامه للعودة إلى الحياة الطبيعية في المجتمع، وتأمين الظروف التي تساعده على التكيف مع متطلباتها، بما يتضمن من تدابير تهدف إلى حماية هذا الطفل وإصلاحه وتأديبه.
وبذلك كان لنا مداخلة في المادة الثانية من مواد الإصدار حول مضمونها التي تنص على أن يقتصر سريان أحكام هذا القانون “على ما لم يكن قد فصل فيه من الدعاوي وما لم يكن قد تمّ من الإجراءات قبل تاريخ العمل به”. ومع تقديرنا واحترامنا لما أبداه وزير العدل من مبادئ يجب احترامها بخصوص ما استقرت عليه الأحكام السابقة، وكذلك ما تمّ معالجته في هذا الشأن من خلال المادة (87) في هذا القانون، والتي تنص على “تشكيل لجنة قضائية من رئيس محكمة العدالة الإصلاحية الكبرى للطفل، ورئيس محكمة العدالة الإصلاحية الصغرى للطفل، وقاضي تنفيذ العقاب، وعضو من النيابة العامة تختص بتلقي طلبات استبدال العقوبات المقضي بها قبل نفاذ هذا القانون” .. إلا أنني أرى أنه لا ضير في أن يشمل هذا القانون وتسري أحكامه على ما قد تمّ الفصل فيه من الدعاوى، وما قد تمّ من الإجراءات قبل تاريخ العمل به، حيث إننا نجد الآن أن هناك الكثير من القُصَّر الذين صنفهم هذا القانون من فئة الاطفال والذين ينفذون عقوبة بموجب المرسوم الملغي بالمادة الثانية من قانون العدالة الإصلاحية، ونقصد المرسوم رقم 17 لسنة 76 وتحديداً الباب السابع الصادر بالقانون رقم 37 لسنة 2012 والمعني بشأن الطفل، في الوقت ذاته سوف تصدر أحكام بموجب قانون العدالة الأصلاحية للأطفال الذي تمّ إقراره بجلسة 28 أبريل بمجلس النواب. ولاشك أن هذا التباين في تقرير العقوبة يخلق تشويشاً وإرباكاً في الحفاظ على الغاية التي نطمح جميعنا إلى تحقيقها، ألا وهي تحقيق القدر الأكبر من العدالة الاجتماعية.
فالمشرع حين يقرر مواد العقوبة في القانون، يفردها بكافة العناصر الشخصية، ويحتاط لكل العوامل الموضوعية ضمانًا لتناسب العقوبة مع قدر الجرم المنسوب للمتهم، فإذا كان هذا المتهم قاصراً أضاف هذا عبئاً إضافياً، يجعل من المشرع أن يحتاط في تقريره للعقوبة بدل المرة مئات المرات، ولتقريب الفكرة أكثر فإننا نخشى أن يقضي قاصرون عقوبة مختلفة عن ذات الفعل المجرم الأولى أشد قساوة من الثانية؛ لأن القضاء قرر فيها بموجب القانون الملغى، بينما الثانية تمت في ظل قانون العدالة الأصلاحية المستجد، ونال فيها القاصرالمتهم كافة الضمانات والإجراءات المقررة في قانون العدالة، على خلاف الأول، مما سيوحي ذلك بوجود قصورٍ في العدالة وتطبيق القانون، وتصبح بموجبها العقوبة كاشفة عن قسوتها، وتؤدي غرض متناقضاً للغاية المرجوة من تشريعها، وبهذا تنفصل جنائيا عن مقوماتها والغرض النهائي من تقريرها.
وتسليمًا بالفقه القانوني الذي يرى أن العدالة توزيعية من خلال التشريع وتقويمية ترتد من خلال الحلول القضائية، فإن للمشرع أن يجانب الخلل الذي قد يطال المحكومين بموجب القانون السابق بأن يشمل في المادة الثانية من قانون العدالة الإصلاحية مجال تطبيق القانون بفصيح القول أولئك القُصَّر الذين صدرت عليهم أحكام، ولم ينفذو العقوبة أو من لازالو قيد تنفيذ العقوبة ليعاد النظر في الأحكام التي سبق وأن صدرت لتتوائم مع العقوبة بموجب القانون الجديد.
خاصة أن الطفل الذي ينحرف أو يُجرّم في السنوات الأولى من عمره غالباً ما يكون ضحية لظروف اجتماعية غير ملائمة تحيط به هي التي دفعته إلى طريق الإجرام أو الانحراف، فالإنسان لا يولد مجرماً، ويجب أن نتعامل معه وفق رؤية أخرى، وكما يقول القاضي الأمريكي جوليان ماك (الطفل الذي ينتهك القانون، ينبغي أن يعامل معاملة الأب الحكيم لابنه العاق).