لن يكون مقبولًا أن تديرالدولة بنفس الطريقة الحالية، الكثير من الأمور في الفترة اللاحقة لما نواجهه الآن من جائحة طالت آثارها الكثير من أوجه حياتنا، شأننا في ذلك شأن بقية دول العالم، وعليها ترتبت وستترتب عواقب كثيرة وكبيرة الحجم، وتحتاج إلى رؤية مختلفة لإدارة المرحلة المقبلة، وفي هذا تبرز ثوابت لا يصحّ أن تتخلى الدولة عن مسؤولياتها تجاهها، فلها ستظل الألوية وربما تزداد، وفي مقدمتها الحفاظ على المكتسبات الاجتماعية والمعيشية للمواطنين، في مختلف المجالات الحيوية.
فلن يكون مقبولًا ان يجري تحميل الفئات الشعبية الواسعة تبعات ما نحن مقبلون عليه من صعوبات اقتصادية، ومن نقص في العائدات، لأن آثار ذلك، إن حدث، ستكون مكلفة اجتماعياً، في وقت نحن في أمسّ الحاجة فيه إلى الحفاظ على الاستقرار المجتمعي، الذي لن يتأمن إلا بالحرص على توفر الحياة الكريمة للمواطنين، والتي في جوهر شروطها تدخل مهمة صون هذه الضمانات.
إن المطلوب هو الحد، وحتى وقف، الكثير من أوجه الانفاق غير الضرورية، والتي لا تعود بالنفع المرتجى على الاقتصاد الوطني، وسيكون الاستمرار فيها استنزافاً للمال العام في أوجهٍ ليس لها أية أولوية، فيما الدولة والمجتمع معاً سيكونا في أمس الحاجة للإنفاق في المجالات الحيوية التي تتصل بالتنمية في معناها الحقيقي، وبتأمين مستلزمات الحياة الكريمة لأبناء هذا الوطن.
وطالما نحن في أتون أزمة ذات طابع صحي، علينا ملاحظة ما أظهرته من الطابع الاجتماعي للخدمات الطبية التي تتطلب إعطائها أولوية قصوى، عبر زيادة الانفاق على الصحة، وتمسك الدولة بمسؤوليتها في إدارة وتقديم الخدمات الصحية، والاستمرار في تأهيل الكوادر الطبية، أطباء وممرضين وفنيين وسواهم، واستيعاب الأعداد الكبيرة من العاطلين منهم، وإنهاء كافة وجوه التمييز المسؤولة عن معاناتهم.
وعلينا أن نستفيد من التوجهات التي أعلنت عنها دول خليجية شقيقة، منطلقة من حقيقة أن العالم بعد كوفيد 19 ليس كالعالم قبله، فأعلنت عن مراجعة هيكل الحكومة وحجمها، فقد يتم دمج وزارات أو تغيير هيئات، في إطار إعداد استراتيجية ما بعد كوفيد 19، تتطلب حكومة أكثر رشاقة ومرونة وسرعة لتواكب أولويات وطنية جديدة ومختلفة.
وبالتأكيد فإن الخطط اللازمة للمرحلة المقبلة يجب أن تستوفي ما تطالب به القوى السياسية المختلفة، وقوى المجتمع المدني والسلطة التشريعية من محاربة للفساد ومن تمكين للحوكمة والشفافية، وإحلال الكفاءات الوطنية في الوظائف وإحتواء البطالة بدلاً من نكران وجودها.