فريدريك انغلز
ترجمة وإعداد: هشام عقيل
أثبت العلم الحديث بأن ما يسمى ب”الأحياء الفقيرة”، حيث تتواجد حشود العمال بكثافة، هي مصدر كل الأوبئة التي تضرب مدننا من حين إلى آخر. الكوليرا، والتايفوس، وحمى التيفوئيد، والجدري، وغيرها من الأوبئة؛ جميعها تنشر جراثيمها في الهواء الملوث والمياه الملوثة في أحياء الطبقة العاملة. في هذه الأحياء، نادراً ما تموت هذه الجراثيم بشكل كلي، وحالما تسمح الظروف، تتطور هذه الجراثيم إلى أوبئة وتنتشر بعيداً من مصدرها نحو المدن الأكثر صحية ذات الهواء النقي، التي يسكنها الرأسماليون. لا يمكن للحكم الرأسمالي أن يسمح لتفشي الوباء ضمن صفوف الطبقة العاملة دون أي فعل رادع، إذ أن آثار هذا الوباء ستصل إلى الرأسماليين وسيهبط ملاك الموت في صفوفهم بلا رحمة، مثلما حصل مع العمال تماماً.
حالما تتأكد هذه الحقيقة العلمية، يبدأ البورجوازيون في الأعمال الخيرية، وتجدهم يتنافسون بكل حماس على الأعمال النبيلة لصحة عمالهم. وحينها، تتشكل الجمعيات الخيرية، وتنشر الكتب، وترفع المقترحات، وتتشرع القوانين، لسد مصدر هذه الأوبئة التي تتفشى بشكل متكرر.
… إن جوهر الاشتراكية البورجوازية يكمن في طموحها في المحافظة على مصدر كل شرور المجتمع الحالي، وفي مثل الوقت تقضي على مظاهر هذه الشرور بحد ذاتها. ولقد أشرنا في (البيان الشيوعي) قديماً، بأن الاشتراكي البورجوازي “يريد تلطيف المشكلات الاجتماعية ليضمن ديمومة المجتمع البورجوازي”، أنه يريد “أن يبقي البورجوازية من دون أي بروليتاريا”.
… كل من يقول بأن نمط الإنتاج الرأسمالي هو غير قابل للتدمير، وفي مثل الوقت يرغب في إلغاء آثاره غير الحميدة، ليس له أي حيلة سوى أن يقدم مواعظ أخلاقية للرأسماليين، مواعظ أخلاقية ذات آثار عاطفية تتبخر حالما تكون أمام المصلحة الذاتية، أو إن كان ضرورياً: أمام التنافس نفسه.
… إن كل ما يسمى بالاصلاحات الاجتماعية التي تهدف لتخفيض أسعار الوسائل المعيشية للعمال، إما ينتهي بها الأمر أن تتعمم وبالتالي يلحق هذا التعميم انخفاض عام في الأجور، وإما تبقى تجارب معزولة، بعد ذلك حقيقة أنها معزولة تثبت بأن تحققها في المجال الأوسع لا يتناسب مع نمط الإنتاج الرأسمالي القائم. لنفترض بأن في منطقة معينة تنجح تعاونية المستهلكين في تخفيض تكلفة المأكولات للعمال على نحو 20%؛ على المدى البعيد، ستنخفض الأجور في هذه المنطقة أيضاً على نحو 20%. إذا كان العامل، على سبيل المثال، يصرف ثلاثة ارباع أجوره الأسبوعية على المأكولات، فإن أجوره ستنخفض بقدر ثلاثة ارباع 20%، ايّ 15%.
… ليس حل المشكلات الاجتماعية هو الذي يصلح المجتمع، بل الحل الاجتماعي، أي تقويض النظام الرأسمالي، هو الذي يجعل من الممكن اصلاح المشكلات الاجتماعية. (…) ولكن في البداية، كل ثورة اجتماعية ستضطر أن تأخذ الأشياء كما تركت لها، وتقوم بأفضل ما لديها لتتخلص من كل الشرور عبر هذه الوسائل المتاحة لها. وكما رأينا، يُمكن حل قضية الشح الإسكاني عبر الإستيلاء مباشرة على المساكن المرفهة التابعة للطبقات المالكة وتسكين العمال في الجزء المتبقي.
… ليست الدولة سوى السلطة الجمعية المنظمة للطبقات المالكة، ملاك الأراضي والرأسماليين ضد الطبقات المستغَلة: العمال والفلاحين. ما لا يريده الرأسمالي (وفي هذه الحالة نذكر الرأسمالي فقط لأن مالك الأرض ايضاً يتصرف كرأسمالي) هو ما لا تريده الدولة.
.. هكذا تحل البورجوازية القضية الإسكانية في حقيقة الأمر. إن المناطق التي تتفشى فيها الأمراض، تلك الحفر سيئة الصيت والسراديب الضيقة التي يلقي فيها الرأسماليون عمالنا ليلة بعد ليلة، باقية ولا تتقوض ولكن يتم نقلها إلى مكان آخر! ومثل الضرورة الاقتصادية التي خلقتها في مكان واحد هنا، ستخلقها مرة اخرى هناك. طالما يبقى نمط الإنتاج الرأسمالي في الوجود، سيكون من الغباء أن نتمنى حلاً معزولاً للقضية الاسكانية أو أي قضية اجتماعية اخرى يعاني منها العمال. الحل الوحيد هو تقويض النظام الرأسمالي والإستيلاء على كل وسائل الحياة والعمل من قِبل الطبقة العاملة نفسها.