(1)
هدوءٌ
صمتٌ تتبعثرُ فيه الأسرارْ
الليلُ توقّفَ عن الهمسِ الخفي
النهارُ ما عادَ يهتم بالزحامِ المُتلاشي
***
ترقبٌ
انتظاراتٌ
الحروفُ تخرجُ من بين أصابعٍ
لم تتعوّد على التوقّفِ
وعلى جلسةٍ مملةٍ في البيت
التلفاز يشكو من الأخبار السيئة
الكتب فرحةٌ بالأيدي وهي تتلقفها
***
شُموعٌ نصف منطفئةٍ
شُموعٌ مضيئةٌ رغم ذوبانها
قناديلَ مٌصرةٌ على تحدي الظلمة
يرفع القساوسةُ والملالي أكفهم بالدعاء
السماء تزخّ مطرُا محشوًا بالضفادع
الفقراءُ غَادرتهم الإبتسامات
فالأفقُ يعدهم بالمزيدِ من الغَمِّ
تجّارُ الضميرِ يُغرقونَ في الضحكِ
تجارتهم ربحت دُموع الأطفال
ما عادت الطرقاتُ تنتج رغيفًا
***
الحصانُ في أسطبلِ الجيران
يصهلُ في منتصف الليل
كانهُ يزفُّ رسالةً للهواء
لكن الهواء ما عادَ يستلم الرسائل
خشيةً من فيروسات الموت
***
طفلةُ في الحَجْر قريبةٌ من داري
تلوّح لي من فوق السطح بإبتسامةٍ
قذفتني بورودٍ حمراء
تفتَّتت، تبعثرت فوقَ المنازلِ
احالت قلبي الى ضوءٍ سحري
وما زلتُ ابتسم حتى في النوم
***
من الشرفةِ القريبةِ
اسمعُ نايًا يعزفهُ جاري الضرير
كانت مُوسيقى “كاتيوشا” الروسية
ملأت الأرجاءَ بضوء الغد
(2)
هل من وحشةٍ أكثر تَوحشًا
من شوارعٍ تعرّت من أسمَالها
من مقاهٍ تستحمُ وحيدةً
بقهوتها البَاردة
العشاقُ سكتوا عن الكَلامْ
احرقوا رسائل الغرامْ
هل من وحشةٍ لا تصمتُ
في ليلٍ يبحثُ عن لياليهِ القديمةْ
لا نديمَ خلفَ النوافذِ
يَحكي عن أسفارِ جَسدهِ لنديمةْ
النوارسُ تغطِّي سَماءَ الشَاطىء
همسَ لها البحرُ خفيةً
تحوّل نعيقها الى ما يُشبهُ النَواح
ما زالَ السرُّ صَامتًا يُحاورُ المِلحَ
لم يتبقَ الكثير من الوقت
على عينينِ اقتحمتا سِرّ المدى
على قدمينِ طافتا مساميرَ الأرض
لم يتبقَ على خفوتِ كوكبَ الشاعرِ
سوى شهادةٍ لم تُختم بعد
(3)
في هذا المَقهى المَهجورُ الآن
كتبتُ أكثرَ قصائدي جنونًا
المقاعدُ مكدَّسةً على بعضها
فَناجينُ القهوةِ في الركنِ
تئنُّ وحدةً واغترابًا
ما زلتُ اسمعُ صوتَ الموسيقى
وكأنها ما زالت تداعب الزوايا
المكانُ مقفل الشفتين
إلا من أطيافٍ قابعةٍ في البيت
رايتُ طاولتي تناديني من بعيدٍ
سمعتُ حشرجةَ همسها الحزين
اغرقتُ في ضحكٍ هستيري
ودمعةٌ غالية لثمت خدي
(4)
بماذا نكتبُ هذا الزمنَ
بالدمِ او بالإزميل
او نرسمهُ لوحةً سرياليةً
او تكعيبيةً او مجنونة
ام أن كل الأحداثِ
مجرّدُ عبثٍ مضحكٍ
ونحن مجرد قطعٍ
في لوحة شطرنجٍ مكسورة
(5)
اللحظاتُ تَتحوّلُ رعشات
في زمنٍ ينقشهُ فنانٌ سريالي
موتٌ لا يُشبه الموتَ
ولا يُشبه الحياة
من ينقذُ الخلقَ من براثنِ فيروس
ابتكرهُ أوغادٌ يَسكنونَ الأعالي
من يهزُّ الشجرةَ
كي تساقطُ نَارجيلًا
وتعاويذ أمل
من يعزفُ قيثارةً
فربما تبتسمُ السماءُ معجزاتٍ
تنتهي الأيامُ المُلتحفةِ بالحَتف
هل هو زمنُ السُخرية المُرّة
يمتطي عربةَ قدرٍ بلا وجه
انه وحشٌ بالعرضِ وبالطُول
والبشرُ ايقونات تنتظرُ المجهولْ
(6)
في الإعتكاف الجبري
نثرتُ الكتب على طاولتي
كل كتابٍ يمد يدهُ كي يَحضنني
الشوارعُ نائمةٌ في ريبةِ الصمتِ
الأجسادُ مختبئةٌ في القلوب
لا مكانَ للقاءاتِ السرية ليلًا
العشاقُ يكاتبونَ غيرَ المنظور
وتمضي الفراشاتُ
ونمضي حروفًا خالدةً في الريح
فمن يحفظ توازنُ الكونِ بعدنا
(7)
مسٌّ من الشيطانِ
أم لعنةُ المظلومين
ام نهاية عصرٍ مشروخ
(8)
يَجيءُ ليلٌ، يَمرُّ ليلْ
خببُ خَيلْ
الإنتظارُ دَبابيسٌ
مبهمٌ الطريقُ وغامض
غيومُ السماءِ علاماتُ إستفهامٍ
النيرانُ مختبئةٌ في الجيوب
أي فرحٍ سينجو
العالمُ قلبٌ واحدٌ كالسكِّين
هربُ الحنينُ الى الشوارع الملتويةِ
الليلً ينتظرُ شمسًا تغني
أشعلوا الشموعَ ليعانقنا الأمل
(9)
غولٌ يحتلُّ السَماء
المطرُ انحبسَ في المَزاريب
البحرُ تحوّلَ رماديًا
بسماتُ المارةُ القليلون
في اقفاصٍ حديدية
كأن لا أحدَ يستلقي على خيوط النور
لأ أحدَ ينتظرُ الغدَ مثل الأمس
خفتت ومضات المتفائلين
لا احدَ في نشيدِ العصافير
لا احدَ في أحدْ
ولا أحدٌ أحدْ
المَدى كهدوءِ الموتى
النوارسُ تحلّقُ بحركاتٍ غريبة
وكأنّها تبحثُ عن لآلىءٍ
مخبّئةٍ في الأخاديدِ المهجورة
قارئةٌ الفنجانِ الماهرة
اخفت وجهها في رمالِ الصحراء
ماذا قال العرّاف حين سأله الأصحاب
عن ورودٍ تحترقُ في الماء
أوغلَ في صمتٍ مريبٍ
يمَّم وجههُ صوبَ اليم
وما زالَ يتلو دعاءَ الغُرباء
(10)
ثعلبٌ
ام وحشٌ
ام لعنةٌ أبديّة
او رحلةً الى الموتِ
لها عودةٌ وإيابْ
هل في نهايةِ الضوء نفقٌ بلا منفذٍ
وفي آخر الطريق عتماتْ
احجيةٌ ام لَعناتْ
ربما سفرٌ طويلٌ الى التَوتر
او ربما غَضبة الآلهةِ
على عروشٍ
يَرفعُها الطُغاة على رؤوسهم
يعزفون أغاني الدم
الطريقُ الى هناك علامات استفهامٍ
الغدُ قادمٌ مسرعًا
ليس نهايةَ العالم حتمًا
لكن الضحكَ على الخَفايا
يزيلُ الهَم
(11)
في الغرفةِ يتجوّلُ طيفُ أمي
جاءت من فراديسٍ صامتة
كي تحميني من عيونِ الفيروس
تخرجني من هذي الحرب الضروس
هل للموتى كراماتٌ
ام إننا نبحثُ عن أي ظلٍ
تحت سقوفٍ سرّية
تُبعد عنا ويلاتَ شَجرةِ الزقوم
ما زالت أمي تتجولُ في أرجاء مكاني
ربما تحمل لنا البشرى
وما زالت الموسيقى
تنبعث من الشرفات