قبل عقود من الزمن قامت حروب ضارية متوحشة بين الدول الرأسمالية، ومنها الحربان العالميتان الأولي والثانية، واللتان خلفتا الويل للبشرية: الملايين من الخسائر والضحايا بين قتلى وجرحى ومعاقين ومشردين.
وكان السبب الرئيسي لنشوب هذه الحروب هو أطماع الرأسمالية الاحتكارية ونزعات الاستيلاء على ثروات الشعوب. هذا ما يؤكده كتاب “سياستان إزاء العالم العربي” للمؤلف بوندا ريفسك، الذي يحكي عن معاناة البلدان العربية من المستعمرين الأوروبيين والعثمانيين، والصراع المدمر على النفوذ في الوطن العربي بين الدول الاستعمارية للتحكم في مصيرشعوبنا، ولنهب خيرات أوطاننا الغنية بالموارد الطبيعية، خصوصا بعد اكتشاف النفط في الكثير من البلدان العربية. حينها أوعز الاستعمار بقيام وتنصيب حكام موالين له، إن كان للاستعمار العثماني او البريطاني أو الفرنسي إلخ، ولعب الاستعمار خصوصا البريطاني بالتواطؤ مع الصهيونية العالمية دورًا كبيرًا في تهيئة الأرضية للصهاينة لإحتلال فلسطين.
وصف قائد أول ثورة اشتراكية في روسيا عام 1917، فلاديميرلينين الإمبريالية بأنها مرحلة متطورة للرأسمالية الاحتكارية التي تخطت نهج الاحتكارات من النطاق القطري والقومي إلى النطاق العالمي، والعمل على استعمار البلدان الغنية بالموارد الأولية لتشغيل الصناعات في الدول الرأسمالية، ومن ثم جعل هذه البلدان محمية عسكرية لحماية مصالح الرأسمالية العالمية والهيمنة على الأسواق والطرق والموانىْ في سبيل جني الارباح الطائلة لشركاتها الاحتكارية.
خاض الشرفاء الوطنيون في الوطن العربي النضال ضد المستعمرين ومن اجل التحرر والحرية، وقدّموا خيرة المناضلين، وعانوا من صنوف السجون والتشرد، وكواكب من الشهداء على طريق الحرية، وكان غالبية هؤلاء ينتمون للتيارات القومية العربية أو للأحزاب الشيوعية والماركسية، خصوصا أيام المد اليساري على مستوى العالم، إلا أن الشعوب العربية ما زالت تعيش أحوال البؤس والجوع والتشرد والتهميش، مع اتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء، وزيادة نسبة الفقر، مما ساهم في التحركات العفوية الجماهيرية التي عمّت بلدانًا عدة، وسميت بالربيع العربي عام 2011.
وبالرغم من فشل هذه التحركات العفوية الجماهيرية، بسبب هيمنة قوى الإسلام السياسي على تحركات الشارع العربي آنذاك، ما ساهم في نشر الأفكار الطائفية في بعض البلدان العربية، وتعزيزأنظمة المحاصصة الطائفية مثلما هو الحال في العراق ولبنان، وافتعال حروب أهلية في سوريا واليمن وليبيا، ما نجمت عنه أوضاع قاسية، حيث زاد فيها منسوب الفقر والجوع والتشرد، ثم شهدنا في السنتين الأخيرتين انتفاضات جماهيرية عارمة ساد فيها الوعي الوطني والديمقراطي في سبيبل التغيير الحقيقي، وبناء أسس العدالة الاجتماعية والديمقراطية والحقوق المدنية، بعيدًا عن النهج الطائفي، كما تجلى في انتفاضات الجزائروالسودان والعراق ولبنان، حيث كان للقوى اليسارية والتقدمية دور مهم فيها، لإخراج الوطن العربي من دائرة التخلف والاستبداد.