بريطانيا جزيرة كبيرة تقع في الشمال الغربي للمحيط الاطلسي، لا تربطها بأوروبا، عبر فرنسا، سوى قناة المانش المحفورة تحت أعماق بحر الشمال. تتكوّن بريطانيا من اربع ولايات، هي انجلترا، اسكوتلاندا، ويلز، وايرلندا الشمالية. وكل واحدة من هذه الولايات الأربع تتمتع باستقلال ذاتي، وتنضوي في دولة اتحادية، نظام الحكم فيها ملكي دستوري ديمقراطي.
تسمى بريطانيا رسميا المملكة المتحدة، (UK). يبلغ عدد السكان فيها 66.44 مليون – 2018. عدد سكان انجلترا 55.98، بينما يبلغ سكان سكوتلندا 5.438 مليون، أما عدد سكان ويلز فيبلغ 3.139 مليون. وسكان إيرلندا 1.882مليون. وعاصمة المملكة المتحدة هي لندن التي تعد مركزًا ماليًا عالميًا. هذا التوزيع السكاني يبين أن انجلترا واسكتلندا تمثلان الركيزة الأساسية في المملكة المتحدة.
كان يطلق على بريطانيا الدولة التي لا تغيب عنها الشمس، نتيجة بسط نفودها الاستعماري سابقًا على العديد من دول آسيا وإفريقيا وأمريكا الشمالية وأمريكا اللاتينية. وهي تتولي زعامة رابطة الشعوب البريطانية التي تعرف بالكومنولث، وتشمل العديد من الدول التي نالت استقلالها من بريطانيا، مثل استراليا والهند وبنغلادش وماليزيا وباكستان ونيوزلندا وكينيا والكميرون الخ.
تعدّ بريطانيا الدولة الصناعية الأولى في أوروبا، ولغتها الإنجليزية هي الأكثر استعمالًا، فهي لغة العلوم والأبحاث العلمية. ومن بريطانيا انطلقت الثورة الصناعية الأولى عام 1784 التي وصلت إلى فرنسا وألمانيا وروسيا وأمريكا، ومن ثم إلى باقي الدول الأوروبية واليابان، نتيجة لاكتشاف الآلة البخارية التي استخدمت في تسيير شبكة القطارات التي ساهمت في التطوير وبناء شبكة مواصلات سريعة تربط بين المدن البريطانية . كما ساهمت الآلة البخارية في تطوير آلات الصهر وصبّ قوالب الحديد الصلب الذي أدى الى تطور الانتاج الصناعي في بريطانيا والدول الاوروبية، وإحداث نقلة نوعية في تحوّل هذه الدول لتصبح دولاً صناعية كبرى، ودولاً استعمارية ذات قوة عسكرية ضاربة على المستوى العالمي، مما دفع بها إلى القيام بغزو بلدان القارات الأربع واحتلالها.
شاركت بريطانيا في الحربين العالمية الاولى والثانية مع قوات الحلفاء، وعانت من الخسائر البشرية والمادية بسبب مشاركتها في الحربين، خاصة في الحرب الثانية التي اندلعت في 1 سبتمبر1939 وتوقفت في 2 سبتمبر 1945، حيث كانت أكثر دموية وضحاياها من البشر أكثر من ستين مليوناً، أي ما يعادل 2.5% من تعداد سكان العالم في ذلك الوقت. وفي نهاية هذه الحرب اتفق قادة الدول الكبرى المنتصرة على النازية والفاشية، على تقاسم النفوذ على المستعمرات التي كانت خاضعة لدول حلف المحور.
اتفقت بريطانيا بقيادة تشرشل، والاتحاد السوفيتي بقيادة جوزيف ستالين، والولايات المتحدة الامريكية بقيادة روزفلت،على صياغة العالم الجديد بعد الحرب العالمية الثانية، في مؤتمرطهران عام 1943 ومؤتمر يالطا عام 1945، حيث اتفقوا على تقسيم المانيا ومحاكمة أعضاء الحزب النازي وتحرير الشعوب وتنظيم حالة السلم العالمي ما بعد الحرب. وبذلك فإن بريطانيا اليوم هي إحدى الدول الخمس التي تتمتع بالعضوية الدائمة وبحق الفيتو في مجلس الامن، كما أنها عضو في مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى وتمتلك اقتصادًا صناعيًا متطورًا، ويبلغ إجمالي دخلها القومي 1.52 ترليون دولار، ومتوسط صافي دخل الفرد سنويا 17940 جنيها استرليني، بعد الضريبة التي تمثل 40%.
بالإضافة إلى خسائرها، البشرية والاقتصادية، في الحرب العالمية الثانية، واجهت بريطانيا بعد ذلك خسائرها الأخرى التي تتمثل في انتهاء سيطرتها على مستعمراتها نتيجة لثورات شعوب هذه المستعمرات من أجل الحرية والاستقلال الوطني.
قررت بريطانيا بهذه المكانة العالمية والاقتصادية والعسكرية والعلمية أن تنضم إلى الاتحاد الأوروبي في الأول من يناير عام 1973، على أمل الاستفادة من الامكانات الاقتصادية والسياسية التي يتمتع بها هذا الاتحاد؛ فهي ترى أن انضمامها إليه امرًا طبيعيًا بحكم انتمائها الانغلوساكسوني مع الشعوب الأوروبية، وأن النظام السياسي الديمقراطي، والاقتصاد الحر الراسمالي في بريطانيا، هما نفسهما القائمان في دول الاتحاد الأوروبي الأساسية مثل المانيا وفرنسا وبلجيكا وهولندا ولوكسمبرغ وإيرلندا والدانمارك وباقي دول الاتحاد الأخرى. وهي عضو مع هذه الدول في حلف شمال الاطلسي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
لكن تبيّن من التجربة أن الانضمام للاتحاد أدى الى تقزيم مكانة بريطانيا الدولية، واكتشفت أن عضويتها فيه وضعتها في معضلة كلّفتها تبعات مؤذية، مثل قيامها أولاً باجراءات التوافق (الهارمونايزاشين) للأنظمة والقوانين البريطانية مع الأنظمة والتشريعات المطبقة في دول الاتحاد الأوروبي، واستغرقت مسيرة التوافق هذه عدة سنوات.
بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وتفكك حلف وارسو انضمت العديد من دول البلقان الفقيرة مثل بلغاريا ورومانيا واليونان إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الاطلسي، وقد بلغ عدد دول الاتحاد الأوروبي حتى الآن 28 دولة. وهناك دول أخرى مرشحة للإنضمام إليه مثل تركيا ومقدونيا والبانيا وصربيا والجبل الأسود، لكن بريطانيا رأت أن بقاءها في الاتحاد يتعارض مع مصالحها الوطنية، اذ تصاعدت أصوات تذمّر المواطنين نتيجة لتدفق الأيدي العاملة من دول البلقان التي انضمت إلى الاتحاد حديثاً للعمل في بريطانيا، حيث فرض على بريطانيا تشغيل آلاف العمال من هذه الدول حسب ال”كوتا” التي اقرها البرلمان الاوروبي ويشرف على تنفيدها من قبل المفوضية الأوروبية.
وقد أثرّ ذلك سلباً على سوق قوة العمل الوطنية، وأدى إلى ارتفاع الايجارات وأسعار السلع وازدياد البطالة بين المواطنين البريطانيين، واصبحت عملة اليورو الأوروبي منافسة للجنيه الاسترليني. ونتيجة لذلك رفضت بريطانيا التخلي عن عملتها الوطنية رمزالعرش الملكي البريطاني وعملة مركزها المالي العالمي.
الساسة البريطانيون وسائر المواطنين هناك يرون أن قرارات مؤسسات الاتحاد الأوروبي مثل رئاسة المجلس الأوروبي، ومجلس الاتحاد الأوروبي، والمفوضية الأوروبية، والبرلمان الأوربي، يسلبون القرار السيادي الوطني البريطاني، ومن هيبة ومكانة التاج الملكي في المملكة المتحدة، وهي التي تتزعم تكتل دول الكومنولث تحت مظلة هذا التاج، وهو تكتل يضمّ 54 دولة. بريطانيا التي ترى نفسها أمًا للنظام الراسمالي مشاركة مع الولايات المتحدة الامريكية، أصبحت أقلّ ندية لفرنسا والمانيا اقتصاديا في داخل الاتحاد.
أضف إلى كل ذلك، الآثارالسلبية المتمثلة في الالتزامات المالية الكبيرة التي تدفعها بريطانيا للاتحاد الأوروبي سنويا مقابل عضويتها، وما تدفعه أيضًا لدعم الدول التي انضمت حديثا إليه لغرض تطوير بنيتها التحتية وتحسين أداءها الاقتصادي. هذه الفاتورة المالية السنوية هي أكثر بكثير مما يعود عليها اقتصاديا وسياسيا من عضويتها في الاتحاد الأوروبي، إذ يمكن توظيف هذه المليارات في الاقتصاد البريطاني سنويا.
بعد تلك المسيرة الاتحادية التي دامت 46 عاما، أدرك النظام السياسي البريطاني مدى الأضرار التي لحقت ببريطانيا، وبسببها تصاعد السخط الشعبي وتذمرت القوى السياسية والنقابات العمالية مما استدعى إجراء استفتاء شعبي حول الخروج من الاتحاد (Brexit)في 23 ينيو 2016، وكانت النتيجة 51.9% لصالح الخروج، وتلى ذلك مسيرة اجراءات الخروج المعقدة وتحمّلها دفع فاتورة مالية قد تصل إلى 60 مليار يورو، كما يطالب الاتحاد الأوروبي، بينما تريد هي التفاوض على دفع 20 مليار يورو.
ورغم ذلك فإن اسكوتلندا وإيرلندا تفضلان البقاء في الاتحاد الأوروبي؛ وتطالب اسكوتلندا بإجراء استفتاء آخر من أجل الاستقلال والبقاء في الاتحاد الأوروبي، ورغم الآثار السلبية التي واجهتها بريطانيا بسبب انتمائها إلى الاتحاد الاوروبي، إلا أن خروجها منه سيكلف اقتصادها آثارا سلبية أخرى، أولها حرمانها من مزايا الإعفاء الضريبي على صادراتها إلى دول الاتحاد الأوروبي، وهي المزايا التي كانت تتمتع بها بحكم عضويته فيه، وينعكس ذلك على أسعارالسلع المصدرة إلى دول الاتحاد وعلى السلع المستوردة منه، بسبب فرض الضرائب من كلا الطرفين على تلك السلع. وهذا يدفع بشركات الاستيراد والتصدير البريطانية أن تبحث عن بدائل من السلع بأسعار تنافسية من خارج السوق الأوروبية، وستواجه الشركات البريطانية العاملة في أسواق دول الاتحاد فرض الضريبة عليها مما يقلص أرباحها وبذلك قد يدفع بعضها للخروج من أسواق دول الاتحاد، كما ستواجه بريطانيا خروج العديد من الشركات الأوروبية من السوق البريطاني بسبب فرض الضريبة عليها.
أضف الى ذلك تعاني بريطانيا حالياً من مطالبات لندن بالانفصال لتصبح دولة مدينية (city stated). وهذا أيضًا يضعف مكانتها على المستوى الدولي. كان مسار الخروج من الاتحاد الاوروبي لبريطانيا شاقًا ومؤذيًا، وسبّب تجاذبات بين القوى السياسية، بين حزب المحافظين وحزب العمال والنقابات العمالية وسائر مؤسسات المجتمع المدني. ولهذا انشغلت الصحافة البريطانية وصحف دول الكومنولث والصحف الأوروبية والعربية ومحطات التلفزيون والاذاعة العالمية بمتابعة كيفية الوصول إلى تحقيق اتفاق وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الذي تمّ انجازه رسميا في 31 يناير 2020. ولم تنته معارك بريطانيا بعد، فهي تواجه معركتها الأخرى الجديدة التي تتمثل في مواجهة وباء كورونا العالمي الذي يهدد الحياة البشرية. كما تواجه نتائج انهيارأسواق البورصة العالمية والعملات وأسعار النفط وتراجع عام في الاقتصاد العالمي الذي ستتضررمنه جميع اقتصادات دول العالم بما فيها الاقتصاد البريطاني.