عندما أعلنت الحكومة عن برنامج التقاعد الاختياري في النصف الثاني من 2018 مصحوبًا مع الكثير من التوجيهات والارشادات عنه، والذي كان يهدف إلى تخفيض البند الأول من الميزانية، والذي يشكّل ما نسبته الـ 40%، وبما يقترب من المليار ونصف المليار دينار بحريني، كما يتبين من الحساب الختامي لسنة 2018، ومن أجل خفض الميزانية العامة، وبالتالي تخفيض العجز المالي والمساهمة في وقف نمو الديّن العام.. وترافق ذلك كله مع مجموعة من المقالات في الصحافة وتصريحات العديد من أعضاء السلطتين التنفيذية والتشريعية وكتاب الأعمدة، وكان تنفيذ هذا البرنامج إحالة ما يقارب الـ 9 آلاف من العاملين في الحكومة على التقاعد المبكر بامتيازات تشجيعية، وعلى أساس أنّ لهذا البرنامج الكثير من الجوانب الإيجابية، تتركز في:
• خفض النفقات في الميزانية العامة وبالتالي خفض العجز وتحقيق التوازن المالي.
• زيادة في السجلات التجارية وإنشاء المؤسسات وإقامة مشاريع جديدة بما سينشط دورة الاقتصاد الوطني وزيادة حركة الاستثمار.
• ضخّ المزيد من الأموال في مجال الاستثمار عن طريق دخول هؤلاء سوق الاستثمار بما يملكونه من مدخرات او مستحقات تحصّلوا عليها حال خروجهم إلى التقاعد وفق هذا البرنامج.
• رفد سوق الاستثمار بعقول ودماء جديدة من خلال السماح للمستفيدين من هذا البرنامج في توظيف خبراتهم ومهاراتهم ومؤهلاتهم الإدارية والعلمية في مجال ريادة الأعمال وتعزيز العمل في القطاع الخاص.
• رفع كفاءة القطاع الحكومي والقضاء على البطالة المقنعة.
• خلق فرص عمل جديدة لمن هم على قوائم انتظار ديوان الخدمة المدنية، والعمل على تغطية الشواغر في مختلف المؤسسات والهيئات الحكومية بمختلف أقسامها وتخصصاتها، الأمر الذي سيساهم في تدني نسبة البطالة، ورفع نسبة البحرنة في كل قطاعات الدولة ومؤسساتها.
جرى ترويج هذه الرؤية التي صاحبت إطلاق هذا البرنامج، حتى دون أن تتفحصه أو تتبين من تكاليف تطبيقه وآلية تنفيذه. ليتضح ذلك بعد إقراره مباشرة حين تقدمت الحكومة في مارس من عام 2019 إلى المجلس النيابي بمشروع بقانون مستعجل لتعديل قانون التعطّل يجيز للحكومة سحب مبلغ 230 مليون دينار لتمويل تكاليف هذا البرنامج، الأمر الذي أثار معارضة مجتمعية كبيرة، وللأسف صوتت له مجموعة من أعضاء مجلس النواب، وأقرّ، تالياً من المجلسين: النواب والشورى.
ورغم أن الوقت لا زال مبكرا لتقييم آثار هذا البرنامج؛ إلا أن بعضًا من الملاحضات التي أكدّنا عليها وبالذات في تبيان أسباب معارضتنا تؤكدها الشواهد التي ظهرت للعيان ومنها:
ما يدور الحديث عنه، والتصريحات ذات الصلة، عن زيادة العجز في صندوق التقاعد وهو عجز فاقم هذا البرنامج منه، والتبعات التي سيتحملها صندوق التقاعد، وما ينتج عن ذلك من إخراج الآلاف من العاملين من العملية الإنتاجية، لأن حلّ مشكلة البطالة يتطلب وضع سياسة تشغيلية واضحة المعالم تعتمد على إحلال البحرينيين محل العمالة الوافدة في مؤسسات وهيئات ووزارات الدولة والشركات الحكومية أولًا، وتهيئة ظروف وبيئة عمل لائقة في القطاع الخاص في جميع الصعد ثانيًا.. وهذا ما يغيب عن أية خطة حكومية.
كما أنه وبحكم ما نصّ عليه البرنامج من إلغاء وظائف ممن تقاعد اختيارياً فقد أغلق الباب بوجه إحلال بحرينين في وظائفهم، مما ساهم في زيادة نسبة العاملين غير البحرينيين في مؤسسات ووزارات القطاع العام. وهذا ما ثبت من إحصائيات ديوان الخدمة المدنية.
إن الحديث عما وصلت له الأسوق والاقتصاد البحريني من حالة ركود لم يستطع هذا البرنامج من إسعافه، حيث إنه وبعد مرور سنة عليه، أقرّ مجلس النواب تشكيل لجنة لدراسة الركود وهو ما يدلّ على صحة هذا الاستنتاح، وسيؤدي حتماً إلى تراجع النمو الاقتصادي من جراء إخراج الالاف من المواطنين من عملية الانتاج بدون أية ضمانه لتحقيق ما روّج له من فرص لدخولهم لعالم الاستثمار.
كما أنه لايغيب على عين المراقب ما وصلت له الخدمات الحكومية بعيد خروج الآلاف من العاملين على التقاعد وخاصة في قطاعي الصحة والتعليم، وتشهد مضابط جلسات مجلس النواب على ما صرّح به معظم النواب – إذا لم نقل جميعهم – عن تراجع الخدمات التي هي في الأساس كانت تعاني ما تعانيه، حتى قبل الشروع في تطبيق هذا البرنامج.