يبدو أن المشهد البرلماني في البحرين ينتمي إلى عالم اللامعقول، ذلك أن أحدًا لم يخطر بباله كل هذا القدر من العبث بمقدرات العمل البرلماني، بل بالتجربة البرلمانية برمتها، يكفي هذه الممارسات، وهذه التصريحات من جانب برلمانيين وليس من غيرهم، كلها تزيدنا قناعة بأن التفكير -مجرد التفكير- في تجاوز الحالة البرلمانية الراهنة بات يعد ضربًا من الوهم، وأضحى التعويل على ذهنية راجحة ومرجحة تعبر بالأداء والعمل البرلمانيين الى المسار الصحيح ولو في حدهما الأدنى وهما بدوره، نعلم بأن هناك نوابًا لوَّحوا ويلوحون مرارًا وتكرارًا ما يفهم منه بأنهم يعملون على وضع مجريات الأمور في المجلس النيابي في نصابها الديمقراطي، ونشدد على كلمة «ديمقراطي» لأن الملوحين بها ليسوا ممن عرف عنهم أنهم مارسوا او يمارسون الديمقراطية لا في الأقوال ولا في الأفعال، كما نعلم بأن هناك نوابًا يحرصون على التأكيد بأنهم واقعيون ولكنها واقعية تضحي بالأساس من أجل الشكل، فيذهب الشكل على حساب الموضوع، ويهتم بالإطار أكثر من الصورة، او لنقل الانشغال بالعرضي دون الجوهري، وبالثانوى دون الأساسي، وبالتالي فهي واقعية وجودها كعدمه..!!
ذلك يعني أن هناك رواسب كثيرة في المسار البرلماني تذكرنا دومًا بالخلل والخيبات والأزمات والصراعات، ونشهد لبعض النواب براعتهم في إدهاشنا، كأننا أمام فرجة مسلية، فقد وجدنا نوابًا يشتبكون مع زملائهم، ونوابًا انشغلوا بالمناكفات والخلافات الشخصية بين بعضهم البعض، وبينهم وبين أصحاب مواقع التواصل الاحتماعي ومحاولة جرجرتهم الى المحاكم، ووجدنا نوابًا مجتمعين في موقف يحسبونه بطوليًا وهم يرفعون دعوى ضد زميلة لهم ويطالبون بعزلها، والمشهد زاخر بما يدهش المرء ويذهله، نواب لا يكفون عن إعادة مراوحاتهم في مسألة تفعيل دورهم الرقابي والتشريعي في المساءلة والمحاسبة والاستجواب الى الدرجة التي بات فيها المواطن يظن -رغم أن بعض الظن إثم- بأن هذا الدور قد قطع إربًا إربا خاصة حين تنازل النواب في أواخر الفصل التشريعي السابق عن صلاحياتهم في الرقابة والمساءلة والاستجواب في موقف غير مسبوق على مستوى برلمانات العالم، مرورًا بفشل مشاريع استجوابات او إسقاط بعضها بعد الكثير من اللغط والكثير من الوعود والمزايدات، ثم بالتعاطي البائس مع تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية والتي لم تثمر عن مخرجات لها قيمة واعتبار، الى آخر القائمة مما لا يحتاج الى شرح او تذكير، وكل ذلك يزيد من قناعة كل مواطن بأن ثمة حاجة غير مسبوقة للتشخيص والمراجعة العقلانية وتصويب مسيرة العمل البرلماني، بل التجربة البرلمانية برمتها حتى لا يظل المشهد البرلماني منتميًا الى عالم اللامعقول..!!
عالم اللامعقول هذا فيه إلى جانب ذلك الكثير مما يستحق التوقف، يكفي التمعن فيما طالعتنا به الصحف المحلية مؤخرًا، مؤخرًا فقط، من تصريحات لنواب، منها ما يبعث على كثير من الحيرة، وما لا يستحق أن يلتفت اليه لأنه لا يحمل أدنى قيمة تذكر، ومنها ما قد يحسبه القارئ بأنها تصريحات صادر عن موظف في جهاز للعلاقات العامة بإحدى الوزارات او المؤسسات وليس من نائب يمثل الشعب، هل نتوقف أمام تصريحات لنواب حول قرارهم التركيز على العمل والإنجاز النيابي وبما يخدم الوطن والمواطنين ومعالجة كافة الأمور في إطار روح الأسرة الواحدة، ومعالجة أي خلاف في أضيق الحدود دون اللجوء لأي أسلوب آخر لا يخدم العمل النيابي والمسيرة الديمقراطية..!! وهنا كلام عن عن بديهيات في العمل البرلماني الحقيقي يفترض أن النواب تجاوزوه منذ زمن..!
هل نتوقف عند خبر «إعلان التوافق بين كتل برلمانية عن ميثاق شرف بين النواب»..!! علمًا بأن هذه ليست المرة الأولى التي تطرح فيه فكرة ميثاق الشرف، قبلها بأسبوع او أكثر أعلنت أمانة مجلس النواب عن إنجازها لمدونة شاملة تهدف الى تنظيم وتحديد الواجبات والمسؤوليات في العمل البرلماني محالة الى لجنة الشؤون التشريعية والقانونية، وعلاقة النائب بزملائه النواب وعلاقته مع العاملين فى الأمانة العامة..!! بوسعنا أن نذِّكر بمشاريع مواثيق شرف أخرى مماثلة في الفصل التشريعي الراهن والسابق، وكأن هذه المواثيق ستمنع الهفوات والعنتريات وستحول دون الاسترهانات في بازارات السياسة، وهي التي أثبتت أنها فكرة عقيمة الجدوى بعد ابتذالها في واقعنا..
هل نتوقف عند ما قاله رئيس اللجنة المالية والاقتصادية بالمجلس النيابي في مقابلة معه في هذه الجريدة، فما قاله الرجل تفوح منه رائحة صراحة وإقرار بواقع برلماني معوج..!!
الرجل يعترف بعدم قدرة المجلس النيابي على تقديم أي استجواب مما يعد فشلاً ذريعًا للمجلس، ويعترف أيضًا بأن المجلس النيابي لن ينجح في تقديم أي استجواب في الأدوار المقبلة، ويمضي الى القول بأن النواب «تفرغوا» لتصفية خلافاتهم الشخصية ونسوا المواطنين، وان هيئة المكتب انشغلت بمناقشة هذه الخلافات، وعلينا ان نلاحظ ان هذا الكلام وغيره قاله أكثر من نائب من قبل، وإذا كانت شجاعة تسمية الأشياء بأسمائها مطلوبة، فإن الحال البرلماني يفرز أسئلة على نمط: هل يعقل ما يجري في الساحة البرلمانية..؟ وأسئلة الى أين.. والى متى..؟ وأسئلة أخرى كثيرة يفترض انها توقظ ما لا يستطيع كثيرون جلاء غموضه لدى من هم معنيون بهذا الحال البرلماني العقيم..
نكتفي بتلك الوقفات فهي كثيرة خلاصتها أن الإنجاز اللافت الذي حققه النواب هو في صرف اهتمامات الناس عنهم، إما لأنهم يراوحون في مكانهم، او أنهم يعودون الى الوراء، لذا دعونا نتابع براعتهم في إدهاشنا الى حين الانتخابات المقبلة، وأظن رغم أن بعض الظن إثم إن الناخب قد تعلم واتعظ بأكثر مما فيه الكفاية..!!