في مثل هذا اليوم، الثامن من يوليو/ تموز، في عام 2006، رحل أحمد الذوادي، الذي عرف طويلاً باسمه الحركي: “سيف بن علي” وهو يحمل على كتفيه أكثر من نصف قرن من النضال والتفاني في سبيل أن تكون البحرين وطنا مستقلا ديمقراطيا، وأن يكون شعبها حرا سعيدا.
أكثر من خمسين عاما توزعت على السجون والمنافي.. فعدا سنوات قلائل، كانت بينها السنوات القليلة الأخيرة، كان أمام أبي قيس خياران لا ثالث لهما، إما المنفى والغربة، وإما زنزانة السجن.
كل ذلك لم يفت من عزيمته الفولاذية التي قلّ نظيرها. وخلال أكثر من عشر سنوات سبقت رحيله كان عليه أن يقاوم بالإرادة التي عرف بها مرض السرطان الذي كان ينهش خلايا جسده متنقلا من موضع في هذا الجسد إلى آخر، وهو في تلك الحال كان يعطي النموذج في الصمود، متسلحا دائما بالحكمة التي طبعت شخصيته المعطاء، التي أسست لنهج في الممارسة السياسية الكفاحية في التاريخ الوطني للبحرين المعاصرة، كان خلالها أحمد الذوادي على رأس واحد من أعرق التنظيمات السياسية في البحرين، ممثلا في جبهة التحرير الوطني، التي منها انبثق المنبر التقدمي التي شكلت تيارا واسعا في البلاد، انتشر في مختلف مدن وقرى البحرين، قدم خلالها مناضلوها وأنصارها أسطع الصفحات في تاريخ الحركة الوطنية البحرانية.
كان أمينها العام وقائدها أحمد الذوادي هو المثال في التضحية وفي العزيمة التي لا تلين، وفي التمسك بخط النضال الوطني الديمقراطي التقدمي الذي لم يحد عنه أبدا في مختلف مراحل النضال ومنعطفاته على مدار خمسة عقود ونيف.
لقد تعلمنا من هذا الرجل بُعد النظر والواقعية السياسية المؤسسة على الروح الكفاحية والمبدئية التي لا تعرف المهادنة، والنفَس الطويل في العمل السياسي الذي لا يضعف أمام الصعاب، ولا يستعجل حرق المراحل، ولا يستعيض عن التحليل العميق للظروف والأوضاع بالشعارات المجردة، والذي كان يدعو دوما للامساك بالحلقة المركزية في كل مرحلة، بوصف الممارسة النضالية عملية تراكمية بعيدة المدى، تعطي أكلها بالتدريج.
ليس غريبا بعد ذاك أن التيار، الذي كان أحمد الذوادي ورفاقه من المؤسسين على رأسه، غدا بعد حين أحد المكونات السياسية والثقافية في تاريخ البحرين وراهنها.. ونشعر، نحن رفاقه، بالفخر أننا تلقينا خبراتنا في صفوف هذا التيار.
هذه الروح ظلت ملازمة لأحمد الذوادي على الدوام، فكان الأقدر دوما على تحسس المتغيرات والمستجدات، والأقدر على التعاطي معها بما عهدناه فيه من بعد بصيرة وتأنٍ وتواضع جمّ، بما يشمله ذلك من قدرة على التحرر من الجمود والقوالب الجاهزة، كأنه يستلهم تلك العبارة البليغة لغوته، التي أثارت في حينه إعجاب ماركس القائلة: “إن النظرية رمادية، أما شجرة الحياة فخضراء”.
سلاماً لروح أحمد الذوادي في ذكرى وفاته، ولتبقى ذكراه ملهماً لنا في عملنا المستمر اليوم وغداً.