الحل هو في تشريع يحمي الطبقات والشرائح الأدنى دخلاً من تبعات الضرائب
تمّ إقرار قانون فرض القيمة المضافة من قبل مجلس النواب البحريني السابق في دور إنعقاد غير عادي وفي جلسة إستثنائية سرية بتاريخ 7 اكتوبر 2018 وفق مرسوم بقانون رقم (48) لسنة 2018 بإصدار قانون ضريبة القيمة المضافة الذي سبق وأن صدر وفق إرادة ملكية ونشر في الجريدة الرسمية العدد: 3387 – بتاريخ 6 أكتوبر 2018 ثم تبعه مصادقة مجلس الشورى وبذلك أصبح القانون نافداً، وحُدد موعد تنفيذه الاول من يناير 2019
قيل في حينه أن تطبيق الضريبة المضافة هو أحد الالتزامات الرئيسية بموجب برنامج الدعم الخليجي بضرورة الالتزام بتطبيق الاتفاقية التي وقعت عليها دول مجلس التعاون الخليجي والمصدق عليها بالمرسوم بقانون رقم 47 لسنة 2018، إلا أنها لم تطبق إلا من قبل المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية وتبتعها البحرين أخيراً، فضلاً عن سوق مبررات رسمية أخرى كالقول بأنها تهدف إلى تعزيز وتنويع الإيرادات المالية غير النفطية والتي كانت البحرين قد بدأتها بفرض الضرائب في ديسمبر 2017 حين بدأت بتطبيق الضريبة الإنتقائية، والتي شملت التبغ ومشتقاته والمشروبات الغازية ومشروبات الطاقة، بنسب تتراوح بين 50 و100 في المئة.
وتعتبر ضريبة القيمة المضافة ضريبة غير مباشرة تفرض على معظم السلع والخدمات التي يتم شراؤها وبيعها من تاجر التجزئة للمستهلك، وتحتسب عند كل عملية تجارية او إنتاجية. ابتداءً من الانتاج الأولي ومروراً بالتصنيع والتعليب والتوزيع وحتى محلات بيع السلعة للمستهلك النهائي الذي يقع عليه تحمل عبئها.
ويصفها الكثير من المختصين والباحثين بالشأن الاجتماعي وتحقيق العدالة الاجتماعية بأنها ضريبة غير عادلة، لأنها تمثل عبئاً على محدودي الدخل، ويمكن أن نلخص سلبياتها في التالي:
1- تحمّلها من قبل المستهلك بشكل كامل حيث تقوم الشركات ومقدمو الخدمات وقطاع الأعمال بتحصيلها وتحويلها لخزينة الحكومة من دون الإسهام فيها أو تحمل أي من تكلفتها.
2- تحميلها مختلف فئات المجتمع قيماً متساوية من الضريبة بغض النظر عن مستوى الدخل، مما يجعلها غير عادلة، حيث أن العدالة الضريبية تحصل حينما تتناسب الضريبة مع مستوى الدخل، وهذا ما يخالف ما ذهبت اليه المادة (15) من دستور مملكة البحرين التي تنص على:
أ- الضرائب والتكاليف العامة أساسها العدالة الاجتماعية، وأداؤها واجب وفقاً للقانون .
ب- ينظم القانون إعفاء الدخول الصغيرة من الضرائب بما يكفل عدم المساس بالحد الأدنـى اللازم للمعيشة.
3- حتى وإن تمّ إستثناء بعض القطاعات أوالسلع، إلا أن ضريبة القيمة المضافة ستؤثر حتماً على كل أسعار السوق بطريقة غير مباشرة لتداخل العملية الانتاجية وتشابك سلسلتها، ولأن هذه السلعة المعفاة أوتلك الخدمة ستحتاج إلى خدمات سلع وسيطة مفروض عليها الضريبة مثال (المياه المعبأة في قناني، أو العقار عند عملية البناء وغيرها).
4- وفي العموم يزداد تأثير هذا النوع من الضرائب على أصحاب المرتبات والدخل المحدود والمنخفض أو المتوسط بدرجة أكبر من أصحاب المداخيل العالية، لأنهم ينفقون معظم إذا لم نقل كل دخلهم في شراء متطلبات الحياة اليومية، وبذلك يستقطع من كل دخلهم قيمة الضريبة في حين يذهب معظم دخل أصحاب المداخيل المرتفعة نحو الاستثمار والإدخار، وبذالك لا يشمل هذا الجزء هذه الضريبة مما يساهم في توسيع الفارق بين شرائح المجتمع وطبقاته على العكس من ضريبة الدخل المتصاعد التي تساهم في تضييق الفجوة بين هذه الشرائح والطبقات.
من المعروف أن بعض الدول غالباً ما تلجأ للتخفيف من الآثار السلبية لهذه الضريبة عن المواطنين وبالذات محدودي وذوي الدخل المنخفض لبعض الإجراءات، ومنها:
1- توفير الدعم للمواطنين ذوي الدخول المنخفضة سواء عن طريق بطاقة تموينية أو علاوات تدفع مباشرة لهم.
2- إستثناء سلة من السلع والخدمات منها مثل المواد الغذائية الأساسية والخدمات التعليمية والصحية وغيرها.
3- إعفاء المواد الأولية والمواد الرأسمالية من ضريبة القيمة المضافة.
4- إعفاء الصادرات من كافة الضرائب بما فيها ضريبة القيمة المضافة، وذلك للحفاظ على القدرة التنافسية للمنتجين المحليين مع العالم الخارجي.
كيف تعامل المجلس النيابي الحالي مع تطبيق القيمة المضافة ؟
لقد قرّر النواب في جلستهم بتاريخ 26 ديسمبر 2019 وذلك قبل أقل من أسبوع من تطبيق الضريبة رفع اقتراح برغبة بصفة استعجال إلى الحكومة بشأن تأجيل تطبيق ضريبة القيمة المضافة مدة عام واحد، مستندين على تجارب سابقة (رسوم سوق العمل) وبما تتيحه لهم الأدوات البرلمانية المنصوص عليها في الدستور واللائحة الداخلية، وكانت تلك عبارة عن رسالة نيابية وسياسية تؤكد على:
• أن هناك رفضاً من جميع النواب لتطبيق هذه الضريبة التي أقرّها المجلس السابق
• توحّد جميع النواب حول مطلب هو محل إجماع شعبي.
• التوافق مع نتيجة الانتخابات الأخيرة والإرادة الشعبية التي جاءت رافضة للمجلس السابق حيث انه لم يتمكن إلا أقل من 10% من أعضائه من الوصول إلى قبة البرلمان، وذلك لتماهيه مع رغبات الحكومة في قرارات منحازة لغير صالح الشرائح الواسعة من المواطنين.
• كما تمّت أيضاً الموافقة على مقترح برغبة بصفة الاستعجال بشأن إعادة النظر في تطبيق القيمة المضافة على فواتير الكهرباء، لما ينص عليه قانون الضريبة والمرسوم رقم 1 لسنة 1996 في شأن الكهرباء وإمكانية الطعن في عدم قانونية هذه الضريبة، ورفعه للحكومة.
إلا أن الحكومة لم تستجب لهذه الارادة معتمدة على ما يتيح لها القانون من مساحة كبيرة في الإلتفاف على ارادة المجلس لأطول فترة.
لقد رافق تطبيق هذه الضريبة تذمر كبير بين فئات واسعة من المواطنين والمقيمين لما لها من تأثير عليهم وما صاحبها من تخبط وتجاوزات في التطبيق، كانت موضوعاً طغى على كل الحوارات المجتمعية عبر جميع وسائل النشر والتواصل الاجتماعي معبرة عن الإستهجان من التسرع في تطبيقها والقصور في الإجراءات الادارية من الدولة وأجهزة مراقبة وتحصيل الضريبة وما صاحب كل ذلك في احتساب القيمة المضافة على سلع تضمنتها قائمة السلع المعفاة من الضريبة، وكذلك الغموض الذي لفًّ تصريح المسؤولين بخصوص عدم شمول مبيعات الشركات والمؤسسات التي تقل مبيعاتها عن 5 مليون دينار وكيفية معرفة مصدر هذه السلع لدى تاجر التجزئة والأسئلة الكثيرة التي عجزت أجهزة الدولة عن الإجابة عليها.
ورغم النوايا الحسنة لاًصحاب الدعوات التي أطلقها نواب وشخصيات مجتمعية للشركات والتجار بتحمل القيمة المضافة بدلاً عن المواطنين، إلا أننا نرى أنه لن يكون لها مردود عملي، حيث أن النوايا الحسنة لا مكان لها مع ما يقرّه القانون من جهة ولتعارض هذه الدعوات مع مصالحهم من جهة أخرى، وأن الحل هو في تشريع يحمي الطبقات والشرائح الأدنى دخلاً من تبعات هذه الضرائب. فما تمّ من قبل بعض التجار من تحمل هذه الضريبة لمدة محدودة ما هو إلا من باب الدعاية الإعلامية كإجراء بعض التخفيضات في مواسم محددة.