يضع إقرار «الكنيست» في الدولة الصهيونية لما أطلق عليه قانون «الدولة القومية»، المجتمع الدولي، وكل من يطلقون على أنفسهم وصف «العالم المتحضر»، أمام مسؤولية أخلاقية كبرى، وإلا فما مغزى اعتبار يوم عيد ميلاد قاهر العنصرية في جنوب إفريقيا، نيلسون مانديلا، يوماً عالمياً باسمه، يكون تخليداً لنضاله، هو وشعبه، ضد نظام الفصل العنصري «الأبارتهيد»، إذا كان المجتمع الدولي صامتاً أمام قرار عنصري بامتياز، رغم أنه يُكرّس أمراً واقعاً بالفعل، لكن كانت «إسرائيل» تسعى لخداع العالم بالتمويه عليه، ولكن الصلف بلغ بها مستوى لم تعد، فيه، تأبه بقاعدة مستقرة في العلاقات الدولية بنبذ العنصرية، حين دفعت بقرارها هذا عبر «الكنيست».
تباهى نتنياهو بالقرار المتخذ، واصفاً إياه ب «اللحظة الفارقة»، في تاريخ كيانه، معتبراً هذا الاحتلال «الدولة الأم للشعب اليهودي»، مع أن الحديث عن شعب يهودي مخالف للحقيقة التاريخية، ولديناميات تشكل الأمم في العالم كله، فمثلما لا يصح الحديث عن «الشعب المسيحي» أو «الشعب المسلم»، هكذا في الإطلاق، فإنه لا يصح الحديث عن «الشعب اليهودي»، فاليهود، كما المسيحيين والمسلمين، موجودون في مختلف بلدان العالم، لا في «إسرائيل» وحدها، وهم جزء من شعوب من البلدان التي يعيشون فيها، والتي تضم أعراقاً وديانات متنوعة.
ورغم مجازر الإبادة الجماعية التي نفذتها عصابات الاحتلال ضد أبناء الشعب العربي الفلسطيني، سواء قبل أو بعد قيام الدولة الصهيونية، فضلاً عن حملات التهجير الواسعة للفلسطينيين سواء في عام 1948 أو عام 1967، وما بينهما أو بعدهما، فإن العرب ما زالوا يمثلون ما يقارب 20% من سكان «إسرائيل» وما يقارب 36% من سكان القدس، فكيف يصح الحديث، إذن، عن دولة يهودية، كأن لا وجود لغير اليهود فيها؟
ينص القانون المشؤوم الذي جرى تمريره، في اليوم التالي مباشرة لاحتفال العالم بقهر العنصرية بإحياء ذكرى رمز مقاومتها، نيلسون مانديلا، على أن («إسرائيل» هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي مع القدس موحدة كعاصمة لها)، وأن حق تقرير المصير فيها (يخص الشعب اليهودي فقط)، ويقلل القرار من أهمية ومكانة اللغة العربية في الكيان الذي لم يجد قادته حرجاً في التباهي بعنصريته كمنجز تاريخي.
هذا القانون ليس وليد اللحظة، فتحالف اليمين واليمين المتطرف بقيادة نتنياهو، يعمل منذ سنوات على تكوين إجماع داخل الكيان الصهيوني على أساس ما وصفوه ب «القومية اليهودية»، خلافاً للمنطق الثابت تاريخياً في أن اليهودية، كما كل الديانات الأخرى، دين وليست قومية خاصة بأتباعها.
واستغل نتنياهو وحلفه الحاكم تواطؤ الإدارة الأمريكية معه، واطمئنانهم لصمت المجتمع الدولي وهيئاته الأممية وعجزها عن لجم السياسة التوسعية والعدوانية ل «إسرائيل»، وكذلك هشاشة الموقف العربي وانعدام فعاليته في نصرة الحق الفلسطيني، للمضي في تنفيذ كامل سياساتها، وفرض نموذجها الاستعماري والعنصري على أرض وشعب فلسطين.