نعود إلى ملف التقاعد والمتقاعدين المحشور في عدة زوايا..
نعود إلى هذا الملف مرة ومرات، فهو الملف الذي يظل الأكثر زخماً للهواجس التي تقدم نفسها بصيغ مختلفة، والأكثر حاجة للخروج به الى دائرة الوضوح والشفافية كونه الأكثر ارتباطاً بمصالح الناس، والأكثر مدعاة للقلق لما يطبخ له اليوم، او في الآتي من الأيام والأسابيع والشهور، بالرغم من كل التطمينات وكل النوايا الطيبة المعلنة، والأهم النوايا المبيّتة التي يمكن ان تخرج لنا بمفاجآت صادمة..!!
هو أيضاً الملف الأكثر احتمالية لقائمة طويلة من الأسئلة الحساسة التي يصعب الهروب منها وهي أكثر من أن تُحصى، منها ما نشر، ومنها ما تم طرحه في اكثر من مناسبة، ومنها ما تردد وبجرأة لافتة على بعض مواقع «الانترنت»، ومنها ما أفرزته لجنتا التحقيق البرلمانيتان وايضاً تقارير ديوان الرقابة، ومنها ما طرح في ندوات بمجالس أهلية وفي حلقات حوارية منها تلك التي نظمها اتحاد عمال البحرين، وآخرها التي نظمها المنبر التقدمي قبل ايّام وكلها جاءت ضمن جهد يستهدف تأكيد الإرادة الشعبية ضد أي محاولة للمساس بحقوق ومزايا المتقاعدين والمشتركين واعتبار ذلك تهديد للسلم الاجتماعي، ومن جهة أخرى العمل على بلورة رؤية مجتمعية لإصلاح منظومة التأمين الاجتماعي في البحرين، كثير من الأسئلة التي طرحت في تلك الفعاليات تنكأ جروحاً من نوع ما أسوأها تلك التي تنبش في بعض أوجه الخلل والوجع، او تلك التي تُشعرنا أننا نقترب من دائرة العبث في كثير من الجوانب المتصلة بهذا الملف..!!
لندخل في صلب الموضوع، الأسئلة المحيرة والمربكة وتلك المثيرة لكثير من علامات التعجب والاستفهام، وإن كانت مملة جردة هذه الأسئلة التي لها معنى ومغزى وتضع اليد على علل معقدة ومتشابكة وكثيرة الأوجه، والمعنيون بالأجوبة يبدو انهم اكتفوا بالتفرج، والتفرج فقط، إلا انها تبقى أسئلة مشروعة تبحث عن أجوبة تشفي الغليل والتي تضع النقاط على الحروف، هذه مسؤولية ممن يفترض انهم معنيون بالأجوبة، وهذا في حد ذاته مثار استغراب وشكوك، هذا أمر محسوم..!
نبدأ بالسؤال لماذا الزج بموضوع على قدر كبير من الحساسية والأهمية، ويمس الناس في الصميم، ويصيب حياتهم الاجتماعية، وحاضرهم ومستقبلهم، وأمانهم الاجتماعي الى السلطة التشريعية بصفة الاستعجال، وفي توقيت يكاد ان يكون عمر هذه السلطة منتهياً..؟! ثم هل من المنطقي والمقبول التفكير، مجرد التفكير في سحب سلطة المشرِّعين وإعطائها الى التنفيذيين في الوقت الذي يجري فيه الحديث المكثف عن دولة القانون والمؤسسات، وفصل السلطات، ونجد أطرافاً عدة تحمل لواء التأكيد على ذلك في مجالس ومؤتمرات ومناسبات دولية.
نواصل الأسئلة، لماذا لا يتم التركيز بأي صورة من الصور على الأسباب الرئيسة التي أوصلت وضع واقع التأمين الاجتماعي الى ما هو عليه الآن..؟ ثم هل يتوجب تحميل المواطن تبعات سياسات إدارية واستثمارية خاطئة او ضعيفة او غير مؤهلة، ظلت طيلة سنوات طويلة عاجزة عن مواجهة العجوزات الإكتوارية، وهذه قضية مطروحة من 15 عاماً دون معالجات جادة تذكر، وهل هناك عجز أم «تعاجز» في اكتشاف مكامن الخلل والقصور في عملية إدارة الصناديق التقاعدية، وماذا يعني هذا الغياب التام للشفافية سواء من جانب الإدارة التنفيذية للهيئة او مجلس إدارتها..؟! ما هي حقيقة الديون المستحقة للهيئة التي اعدمت بقدرة قادر، والى أي مدى هو تدخل القرار السياسي في شؤون الهيئة وتوجيه استثماراتها، وما هي حقيقة وحجم ومآلات القروض لبعض البنوك والمشاريع المتعثرة التي مررت دون دراسة جدوى حقيقية لها..؟!!
سيل الأسئلة لا ينتهي، هي تحاصرنا من كل اتجاه، لماذا لا يفتح تحقيق شامل وشفاف في حقيقة وضع الصناديق الاستثمارية التابعة للهيئة، ومعرفة ما اذا كانت هذه الأموال تدار بشكل فعّال ام لا، وأين الحقيقة في ما يثار من عجز وانحراف وفشل في إدارة هذه الاستثمارات والصناديق، ثم لماذا هذا التلكؤ او التباطؤ في حسم موضوع تعيين رئيس تنفيذي مؤهل للهيئة يتمتع بأقصى درجات الكفاءة والفعالية بعيداً عن أي تدخلات، او أي نوع من المجاملات الى آخره؟ ويضاف الى القائمة أسئلة، لماذا هذا التجاهل لأهمية وضرورة التمثيل العمالي في مجلس إدارة الهيئة، ولماذا غلبة الصفة الوظيفية على معظم ممثلي أعضاء الحكومة في هذا المجلس، او لنقل مفاضلة أهل الثقة على أهل الخبرة، دون الاهتمام بقواعد الكفاءة العالية المطلوبة في هؤلاء، ثم متى يحين تشكيل مجلس جديد للهيئة بالمواصفات الواردة في توجيه جلالة الملك وتطعيمه بكفاءات ووجوه حديدة، مجلس لابد ان يكون قادراً على القيام بعمليات إصلاح الهيئة من الداخل، ومحاربة الترهل، ومكامن القصور والخلل أينما كان وفى اي موقع كان من مواقع ومسؤليات الهيئة وشركاتها وصناديقها الاستثمارية، وهل يمكن ان تكون هناك جهة او جهات مستقلة لها صلاحية الرقابة المالية والإدارية وكل ما يرتبط بأعمال واستثماره الهيئة، والتأكد من السير الذاتية وكفاءة من هم مكلفين بإدارة الهيئة وكل ما يتبع لها من شركات واستثمارات وصناديق..؟!
الأسئلة تتواصل، هل اللجنة الثلاثية الحكومية والتشريعية المعنية بالنظر في التعديلات ستتوصل الى التوافقات التي ينتظرها ويتوقعها الناس دون أدنى مساس بحقوقهم وامتيازاتهم، وهل كان النواب بالمستوى المطلوب في القيام بدورهم الرقابي المفترض، وماذا فشل هؤلاء النواب فشلاً ذريعاً فى الاستفادة من لجنة التحقيق التى شكلوها، ومن تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية، وهل مجلس النواب المقبل قادر على ان يعبر عن الإرادة الشعبية ويفعِّل دوره فيما يخص هذا الملف..؟!
ثمة اسئلة اخرى تقفز الى الأذهان على وقع ما نشر أمس للرؤية الحكومية للتعديلات الجديدة على نظام التقاعد والتي حذر البعض من اقراراها كون بعضها يتضمن التفافاً على التعديلات التي اسقطها مجلس النواب وقبلت برفض شعبي غير مسبوق، كما يخشى ايضا في اقرارها التفافاً على التوجيهات الملكية.
اسئلة من نوع، هل هناك توافقات واجواء ايجابية حقيقية كتلك التي تعبر عنها البيانات والتصريحات الرسمية خاصاً تلك التي تصدر على هامش كل اجتماع للجنة المشتركة الحكومية التشريعية، حيث وجدنا ما نشر في احدى الصحف الزميلة بان اجتماع يوم أمس الاول لم يشهد توافقاً ولا يجب التسرع في اطلاق الاوصاف.
اسئلة كثيرة لا حصر لها والسؤال الجوهري هل محض التعديلات ستضفي حقاً الطمأنينة على المدخرات وإبعاد العجز الاكتواري واستدامة الصناديق التقاعدية والتأمينية؟
تلك عينة من الأسئلة، مجرد عينة ليس إلا، نكتفي بها، ولكن يبقى سؤال مهم: أين الحلول..؟ والسؤال الأهم: متى يحين أوان الحسم والجدية بما يجعل كل أمور الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي تمضي في المسار الصحيح؟! أرجوكم لا تستهينوا بتلك الأسئلة، ودوافعها، وما يعنيه إثارتها، ومعها أسئلة أخرى كثيرة مما يجري تداوله. اسئلة يرجى عدم الاستهانة بها.