د.حسن الماضي
لقد كثر الحوار والنقاش في وضعية صناديق التامينات في البحرين منذ أكثر من تسع سنوات حتى ايام قريبة. فاجئت الحكومه المواطنين ومجلس النواب بمشروع بقانون بصفة مستعجلة للقيام ببعض التغيرات في القانون الحالي يعطي مجلس إدارة الهيئة صلاحيات التشريع واصدار قوانين تمس حقوق المتقاعدين ومزاياهم، كما تسمح لمجلس الإداره تحديد المدد اللازمة لبلوغ سن التقاعد.
وقف المواطنون البحرينيون ضد هذا المشروع، وطالبوا جلالة المللك بالتدخل لوقفه، خاصة بعد أن رفضه أيضاً مجلس النواب بالإجماع، وأقرّه مجلس الشورى بالأغلبية. وهنا لابد لنا من وقفة شكر وتقدير للمقام السامي لجلالة الملك المفدى الذي أمر بإعادة القانون لاعطائه مزيداً من الدراسة والبحث بصورة متأنية لما له من تاثير مباشر على كافة أفراد المجتمع.
لقد أطلق بعض المسؤولين في الهيئة العامة للتقاعد، بعض المصلطحات كالعجز الاكتواري، أو تعادل الاشتراكات والمدفوعات، أو أن نقص الاشتركات على المدفوعات قد يفلس صناديق التقاعد ويستنزف الإحتياطي الذي ادخره العمال طول فترة عملهم وكدهم.
لكن الحقيقة فإن هذه التصريحات ليست دقيقة بشكلٍ كافٍ، وتحتاج بعض التحليل، عما إذا كانت أسباب عجز أو افلاس الصناديق التقاعدية بسبب نقص الاشتراكات او صرف المزايا التقاعدية، أو تحسينها، كما جاء في قانون رقم ٣ لعام ٢٠٠٨ . الذي تعتزم الحكومة تعديله بحجة ادامة عمر الصناديق، أو عبر زيادة الاشتراكات أو اطالة عمر المدة المطلوبة للتقاعد، أو تقليل المزايا .
ولو بحثنا في المعلومات الموجودة والمعلنة للهيئة سنكتشف بأن أسباب تعرض الصناديق للعجز أو الإفلاس ليست الاشتراكات او المزايا. .. فبحسب تلك المعلومات، يتضح، احصائيا، بأن متوسط فترة اشتراك المؤمن عليه هي حوالي ٣٠ عام، بينما التقاعد المبكر بعد ٢٠ عام أو المدة الكاملة ٤٠ عام للتقاعد الكامل. يراكم خلالها العامل ما متوسطه راتب تقاعدي بالمزايا الحاليه لمدة ٩ سنوات و٧ اشهر. بينما متوسط حياة العامل بعد بلوغه سن التقاعد الطبيعي هي ١٥ سنة (معدل العمر في البحرين 75 عام).
أي أن هناك عجز في تغطية المدة بين ما ادخره طول فترة عملة وفترة بقاءه، بعد التقاعد بمدة ٥ سنوات و٣ شهور، والمفترض تغطية هذا العجز عن طريق استثمار مداخراته طوال ال ثلاثين عام حتى تقاعده بمتوسط ٦ في المائة ليغطى معاشات تقاعديه. ل ٦ سنوات وبضعة شهور تقريبا..هذا هو الوضع الطبيعي والمثالي، ولكن بالنظر إلى وضع الصناديق التقاعدية نفاجىْ بأن الوضع مختلف.
حيث انه وبحسب القوائم المالية المعلنة والمنشورة على موقع الهيئة يتضح أن هناك عيب واخفاق واضح في عوائد الاستثمارات مقارنة بما هو متوقع أو حاصل في سوق المال أو العقار ، فمنذ العام ٢٠١٠ حتى ٢٠١٦ كانت عوائد االاستثمارات تتراوح بين ٣ ٪ وأقل، وهو أمر معاكس لعوائد الاستثمار في السوق التى قد تصل إلى١٤٪ في نفس المجال، أو حتى ما تحققه الشركات الزميلة التى تشارك فيها الصناديق، والتى تصل في بعض الشركات الي نسبة ٩ ٪ . تتآكل أمام الخسائر التى يتكبدها الفريق الاستثماري باستثماراته المباشرة، علماً بأن حجم الحقيبة الاستثمارية يصل إلى ٣.٥ مليار دينار بحريني، موزعة بين ودائع وسيوله لدى البنوك المحلية تصل إلى حوالي ٩٠٠ مليون دينار بحريني لا تحقق عائداً أعلى من ١.٥ ٪ سنويا. و مجموع عقار يساوى ٢٩٠ مليون دينار تحقق عائد ١.٢ ٪ مقابل معدل السوق الذي يتراوح بين ٨٪ و ١٠٪ ..
يدلل ذلك على أن هناك خللاً في استراتجية الاستثمار، أو في كفاءات الفريق الذي انفصل بحكم القانون وشكل شركتين مستقلتين للادارة وهما شركتا “أصول” و”عقارات التقاعد”، مضخما التكلفة التشغيلية بنسبة 250% خلال الثمان سنوات الأخيرة. والتى كان المفروض زيادة العائد مقابل زيادة التكلفة، وللاسف حصل العكس.
هذا من جهة. ومن جهة أخرى تضاءلت حصة اشتراكات القطاع الخاص من قبل حصة أصحاب العمل بنسبة ٦٪ منذ العام ١٩٦٨ مخلفة نقصاً يبلغ ١٠٢ مليون سنويا، أي يفوق ما أظهرته القوائم بعجز بين الاشتراكات والمدفوعات بنسبة٤٠٪ .
ودون الدخول في تفاصيل أكثر، أو الرجوع إلى تقارير لجان التحقيق البرلمانية، يتضح لنا جلياً، بأن ما وصل إليه حال صناديق التقاعد لا يلزم التعديل في القانون أو تخفيض المزايا. إنما العمل على لب وجوهر السبب، ألا وهو إداراة الاستثمارات والعمل على تصحيح ما أخفقت فية في الفترة الماضيهة، كما يجب تصحيح نسبة اشتراكات اصحاب العمل للتساوي، لتصل إلى ١٥ ٪ كما هي في صندوق التقاعد الحكومي.
نخلص إلى أن الوضع صعب ومعقد، لكن التغلب على تلك الصعوبات ليس مستحيلاً.
نشرة التقدمي لشهر يوليو 2018.