ثقافة عربية لا خليجية
كنا، وسنظل، من أشدّ دعاة مصطلح «الثقافة في الخليج العربي»، لا «الثقافة الخليجية»، لكن مفهوم «الثقافة في الخليج»، وإن قبلناه تجاوزاً، ربما من باب إيجاز القول، سيكون ناقصاً إن لم نضف عليه صفة العربية، فلا يمكن الحديث عن ثقافة في هذه المنطقة، ليست غير عربية، على الأقل في حدود القائم من معطيات تاريخياً وراهناً، وبالتالي فإن الأصحّ هو الحديث عن «الثقافة العربية في الخليج».
ونقول ذلك لا تقليلاً من أهمية المنجز الثقافي والابداعي في هذه المنطقة، حيث إنه ما زال أقلّ من أن تكون له هويته الخاصة، وأيضاً لا نقوله من منطلق التعصب القومي العروبي، مع أننا لا نجد غضاضة في أن يفخر المرء ويعتز بانتمائه القومي الأشمل من المحلي والجهوي، وإنما من منطلق أنه لا يمكن لنا، في مطلق الأحوال، الحديث عن ثقافة في هذه المنطقة مسقطة عن بيئتها العربية، وأفقها العربي. وليس بوسع أي مثقف جاد وأصيل في هذه المنطقة أن يقدم نفسه على أنه مثقف خليجي، هكذا في المطلق، متجاهلاً أن الثقافة العربية تسري في نسغ فكره وإبداعه، لغة وتكويناً.
انتقدنا، غير مرّة، النزوع الذي نجد تجليات «خليجية» مختلفة له، لا في الثقافة وحدها، إنما في مجمل النظرة العامة تجاه الذات «الخليجية» كما لو كانت امتيازاً، ناجماً عما حبا الله به المنطقة من ثروات، وهو نزوع منبوذ، ونرجسي، وزائف، لأنه يغفل أن هذه المنطقة، دون عمقها العربي، ستكون في مهب الريح.
ونقدنا لهذا النزوع يقترن بنقدنا لنزوع آخر نجد تجليات مضادة له لدى البعض من العرب، في النظر إلى هذه المنطقة على أنها صحراء لا ثقافة ولا إبداع فيها، وهو نزوع منبوذ أيضاً ناجم، في الأساس، عن جهل بتاريخ المنطقة الثقافي، ومن هنا تأتي الصرخة التي عبرّ عنوان أحد كتب الدكتور محمد الرميحي الموسوم «الخليج ليس نفطاً».
وإذا كنا نرفض الحديث عن «ثقافة خليجية»، فإننا، ومن باب أولى، نرفض الحديث عن ثقافة بحرينية، وأخرى كويتية، وثالثة إماراتية أو عمانية.. إلخ، ولعّل هذا هو أحد المحاذير التي يمكن أن ننزلق إليها إذا انسقنا إلى مفهوم «الثقافة الخليجية»، حيث سنجد أنفسنا، بعد حين، ننزلق نحو «ثقافة» خاصة بكل قُطر خليجي على حدة.
أعرف أن هذا القول سيثير السؤال التالي: وماذا عن الخصوصيات، التي قد نجدها في ثقافة وأدب البلد الواحد، فما بالنا بعدة بلدان؟
هذا ما أردنا بلوغه. نحن مع الإقرار بهذه الخصوصيات، بوصفها تجليات لثقافة واحدة، وليس بصفتها مجموعة ثقافات، وواجبنا، كمهتمين بالتاريخ الثقافي لهذه المنطقة، هو الإمساك بما يمكن أن نصفه «قوانين» تطور الثقافة في بلداننا، لرؤية المشترك والمختلف فيه، ولإيضاح أن «الخصوصي» يثري المشترك ولا يناقضه.
madanbahrain@gmail.com
صحيفة الخليج الاماراتية الإثنين 11 شوال 1439 هـ ، 25 يونيو 2018 م