الضرائب في البحرين.. أسئلة تستحق الاصغاء! من الرعاية إلى الجباية
طرحت الأوراق الأربع المشاركة في مؤتمر الآثار الاقتصادية والاجتماعية للضرائب والذي نظّمه الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين في نهاية شهر مارس الماضي الكثير من التساؤلات والرؤى والأفكار، علاوة على حزمة من الشكوك التي تبحث لها عن اجابات لدى اصحاب القرار الاقتصاي في البحرين على وجه التحديد.
لكن قبل أن نستعرض بعض ما تمَّ طرحه خلال المؤتمر، الذي استمر يومين، وحضره مختصون وعمال وخبراء اقتصاديون، وغاب عنه كما تعوّدنا دائما أي تمثيل رسمي في مؤشر واضح على انقطاع عرى التواصل والتشاور على مستوى صياغة القرار، الأمر الذي يفصح عن اهمال وعدم اكتراث الطرف الرسمي كما تدلل على ذلك الكثير من المؤشرات خلال السنوات الأخيرة، وهي مهمة لابد من الالتفات إليها سريعا، خاصة مع استمرار تخبط وعجز صناع القرار لدينا هنا في البحرين عن رسم السياسات الاقتصادية والمالية الناجحة، والتي تؤكد كل المؤشرات اننا نسير من خلالها بخطى مرتبكة وسياسات غير مدروسة، لا نجني منها في المحصلة النهائية سوى المزيد من التراجعات والفشل، وتترجم بشكل تلقائي عبر فوضى عارمة في سوق العمل وعجوزات في الموازنة العامة ومديونية متضخمة وهيكلة اقتصادية تائهة، لا يمكن ان تفهم مراميها واهدافها على الرغم من وجود رؤية 2030 التي يبدو انها لا تحظى باهتمام المعنيين بالشأن الاقتصاي في البلاد.
يهمنا هنا أن نؤكد على أهمية تنظيم وعقد مؤتمر الآثار الاقتصادية للضرائب من قبل الاتحاد العام لعمال البحرين، حيث أن مثل تلك القضايا الهامة والحساسة لن يتصدى لها بصدق ومسؤلية أكثر ممن يعنيهم الأمر بشكل مباشر، وهم هنا ممثلو العمال والنقابات والذين تقتضي الضرورة والتجربة اهمية يقظتهم خلال الفترة القادمة نظرا لما تقدمه لنا المؤشرات والتوجهات الاقتصادية التي باتت تتوعدنا بمزيد من الضرائب والرسوم وسياسات التقشف لتبرير الأخطاء الكثيرة والمعالجات الفاشلة المتبعة منذ عقود، والتي اضحى علينا من الآن فصاعداً تحمل اوزارها اكثر مما تحملنا سابقاً.
مقترحو وفارضو هذه الرسوم، والضرائب لم يراعو حقيقة وواقع الفوارق الطبقية الصارخة وما افرزته من مظاهر وسياسات إفقار وحرمان وضياع للعدالة الاجتماعية المنشودة، وما تسببت فيه سياسات صندوق النقد والبنك الدولي من تخريب متعمد وممنهج لاقتصادات ومجتمعات اضحت جميعها تعيش تحت رحمة ما يملى عليها من سياسات ظالمة لا سبيل لإيقافها، بكل أسف، في ظل قلة حيلة دولنا الريعية وعجزها عن القيام بمسؤولياتها تجاه شعوبها، رغم كثرة الحديث الذي لا يتوقف عن التنمية والتنمية الشاملة.
خلاصة ما طرحته أوراق المؤتمر المذكور تقول لنا بوضوح إن تخبط السياسات وغياب الشراكة على مستوى القرار الاقتصادي، وغياب المعالجات الصائبة للربط بين السياسات الاقتصادية والاجتماعية، والاكتفاء فقط بالخضوع لاملاءات الجهات الدائنة تحت يافطات الاصلاح الاقتصادي هي مؤشرات ودلائل فشل نعيشها وسط مقاربات لا تخضع لمعايير علمية واضحة بقدر ما تخضع لأهواء ورغبات بعض المتنفذين في سدة القرار الاقتصادي.
ها نحن نحاول ان نتعايش بمرارات لا تتوقف مع اختلالات سوق العمل بعد أن وُعدنا منذ العام 2004 باصلاحات تجعل من البحريني الخيار المفضل، لنجد ابناءنا وبناتنا راهناً يتسولون الوظيفة الكريمة على أبواب شركات ومؤسسات لا يلزمها قانون العمل المعدل بأي نسبة من نسب البحرنة!، بل ويعتبر بعض المسؤولين أن البحرنة امر معيب!.
كما وعدنا صندوق العمل بالحد من العمالة الوافدة والخارجة عن القانون لنجد مؤخراً، فقط، اعترافا رسميا من صندوق العمل ووزارة العمل بأن لدينا اكثر من 60 الفا من العمالة غير القانونية، هؤلاء يطيب لهم البقاء على أرض البحرين تحت شعار( ادفع لتعمل واعمل لتدفع) وطبيعي مع اوضاع مقلوبة كهذه أن ترتفع تحويلات العمالة الأجنبية لتلامس أكثر من مليار دينار بحريني وبزيادة 10.4% منذ العام 2003، فيما ترتفع في المقابل مديونية المواطنين الأفراد لأكثر من 4 مليار دينار كمؤشر لا يمكن تجاهله على اتساع رقعة الفقر وتراجع مريع في شريحة متوسطي الدخل، خاصة حين تقول لنا المؤشرات الرسمية ان 80% من أفراد العمالة في البحرين يتقاضون اقل من 500 دينار بحريني، ولا يمكن معها تحديد مستويات الفقر الحقيقية لأنه ببساطة لا يوجد مستوى معتمد لخط الفقر في البحرين يمكن لنا مقاربته!
وفي ظل ما أوصلتنا إليه المعالجات والسياسات الاقتصادية الفاشلة، علاوة على ما أفرزته ممارسات قوى الفساد من تآكل مفرط لثروات البلاد دون أدنى مساءلة، لا يمكن لنا، والحال كذلك، أن نعترض على التوجهات الضريبية كواقع وخيار اقتصادي، بعد أن صمّت الآذان طيلة عقود مضت عن سماع مناشدات قوى المعارضة ومؤسسات المجتمع المدني والمختصين بضرورة الاصلاح الاقتصادي الحقيقي، وتنويع القاعدة الاقتصادية في البلاد، بدلا من الاعتماد على النفط كسلعة طالما أثبتت التجارب أنها رهناً لسياسات إقليمية ودولية لا قدرة لنا على التأثير فيها بشكل يحفظ لنا استقراراً اقتصاديا أو اجتماعيا، لنترك لوحدنا واهمين ومتنعمين في نظمنا الريعية التي كم اعتقدنا خطأ انها قدر لن يبارحنا ابدا!
وفي ظل ما نعايشه من تحول سريع من دولة الرعاية وما أفزته من سلوكيات وممارسات والتزامات يصعب التخلي عنها بجرة قلم او بقرارات فوقية غير مدروسة، إلى دولة الجباية التي لها مقومات لا يمكن تجاهلها، وفي مقدمتها الشراكة والشفافية والتمثيل العادل على مستوى القرار. نتساءل هنا؛ كما تساءلت محقة بعض الأوراق المقدمة للمؤتمر: لماذا تستهدف السياسات الضريبية المتبعة لدينا حاليا الفئات الأكثر فقراً والمتوسطة الدخل، فيما يسود صمت قاتل لا يعير وزنا للشرائح الأوسع من المجتمع ويتم التغاضي عن مجرد سماع وجاهة الرأي القائل بضرورة البدء بتطبيق ضريبة الدخل والضريبة على أرباح الشركات والبنوك.
ونحن لا نخضع هذه المسألة، كما سيذهب البعض، للعواطف او حتى للخطاب الشعبوي، بقدر ما نخضعها لمقاربة التجارب الدولية الأخرى التي مرّت بها دول عاشت ما نمر به، وكذلك للمخاوف التي لا يمكن أن تغيب عن أصحاب القرار من مخاطر تلك الخضات المجتمعية التي يجب التحسب لها جيداً في ظل ما يتوافر لدى الدولة من مؤشرات وأرقام تتعلق بالواقع الاقتصادي والاجتماعي ومعدلات البطالة والأجور وغياب العدالة الاجتماعية، خاصة وأن تواتر الحديث عن عدم استكمال استعدادات البحرين حاليا بما يكفي لقيام منظومة نظام ضريبي عادل، وهي التي لا زالت رسميا على الأقل متمسكة برؤيتها 2030 القائمة على الاستدامة والتنافسية والعدالة.
نشرة التقدمي – يونيو – العدد 127