– 1
المرحلة الأولى
منذ فترة يدور الحديث
عن منظمات المجتمع المدني والدور الذي يجب أن تلعبه إن صح التعبير في بلادنا ، ولكن
قبل ذلك علينا أن نذكر أهمية وجود منظمات أو هيئات المجتمع المدني في أي مجتمع يعمل
على ترسيخ النشاط المدني التطوعي المنظم بصفته
جزء رئيسي من البناء الفوقي للمجتمع أو على حد تعبير المفكر الإيطالي غرامشي ( البنية
الفوقية ) للمجتمع ويقصد بها (الاتحادات و النقابات العمالية والنسائية والطلابية ،
والمثقفين والكتاب وغيرها من المنظمات والهيئات المجتمعية ) في وصفه للمجتمع المدني ، الذي يعنينا هنا هو منظمات
المجتمع المدني في بلادنا البحرين ، نستطيع القول بأنه مضى عليها زمن طويل، إذا اعتبرنا
بأن الأندية الأدبية والثقافية أو التي تشكلت منذ عشرينات القرن الماضي، وفيما بعد
الأندية الرياضية والثقافية في ثلاثينات القرن الماضي من ضمن منظمات المجتمع المدني في تلك الفترة التاريخية
، فمضى حوالي قرن من الزمن على وجود المجتمع المدني، أعتقد بأن الوجود الحقيقي للمجتمع
المدني وتبلوره و تطوره في بداية ومنتصف خمسينات القرن الماضي بنشوء العديد من المنظمات المدنية بما في ذلك الجمعيات
النسائية وكثرة الأندية الرياضية والثقافية والفرق الفنية وإصدار العديد من الجرائد و الصحف
اليومية والأسبوعية ، والتحاق العديد من الطلبة للدراسة في الجامعات العربية و تشكيل الروابط الطلابية في
الخارج وقبل ذلك وجود الطبقة العاملة البحرينية منذ عام 1932م بسبب اكتشاف البترول
في البحرين، وتأثير ثورة يوليو عام 1952بقيادة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر وصعود
حركة التحرر الوطني في البلدان العربية والعالم ، مما ساعد على انتشار الأفكار القومية، وأيضاً الأفكار الاشتراكية،
مما أعطى
زخماً قوياً لتبلور وتشكيل مجتمع مدني، سوف تتضح ملامحه بشكل أفضل في سنوات
لاحقة، بعد تأسيس أحزاب الحركة الوطنية البحرينية ، بعد ضرب هيئة الاتحاد الوطني في
عام 1956م ، والدور الذي سوف تقوم به تلك الأحزاب الوطنية
.
2
–
المرحلة الثانية
تبدأ من بداية الستينات
حتى منتصف السبعينات من القرن الماضي، تبلور الوعي الوطني والطبقي وانخراط العديد من
أبناء شعبنا في صفوف تنظيمات الحركة الوطنية البحرينية وتزايد تشكيل الروابط الطلابية
في الخارج التي ضمت الطلبة البحرينيين الدارسين في الجامعات العربية والأجنبية، وتصاعد
النضال الوطني ضد الاستعمار البريطاني ( سلطات الحماية) والرجعية من أجل الحرية والاستقلال
الوطني والديمقراطية والتقدم الاجتماعي، جاء اندلاع انتفاضة مارس 1965م ، ليشكل محطة
هامة من محطات النضال الوطني في تاريخ البحرين، على أثر تسريح شركة بابكو 1500 عامل
على دفعات ، اشتعلت مدن و بعض قرى البحرين ، تضامناً مع العمال المفصولين، قمعت الانتفاصة
بوحشية وسقط الشهداء والجرحى وسيق العديد من المناضلين إلى غياهب السجون والمعتقلات
في القلعة وجزيرة جدا، وأضطر آخرون للجوء للمنفى . بعد قمع انتفاضة مارس 1965م المجيدة
، عملت جبهة التحرير الوطني البحرانية على تأسيس منظمات جماهيرية مثل شبيبة جبهة التحرير، الاتحاد الوطني لطلبة البحرين
في الداخل، بالإضافة إلى اللجان العمالية والنقابية في بعض من مواقع العمل، وفي عام
1969 تأسست أسرة الأدباء والكتاب من مجموعة من الأدباء والشعراء والمثقفين البحرينيين
في جلهم محسوبين على الحركة الوطنية البحرينية، و بعد عام تقريباً تأسس مسرح أوال في
عام 1970م ، وقبله تأسست جمعية أوال النسائية، وأشهرت رسمياً في 25 مارس 1970، بعد
نيل البحرين استقلالها الوطني في 14 أغسطس
من عام 1971م ، من ( سلطات الحماية البريطانية
) تصاعد النضال المطلبي العمالي وتأسست اللجنة التأسيسية للعمال والمستخدمين وأصحاب
المهن الحرة ، عمال من ( التحرير + الشعبية + مستقلين ) قادت الاحتجاجات والمسيرات
والتظاهرات العمالية المطالبة بحرية العمل النقابي وغيرها من المطالب العمالية توجت.
ذلك بما عرف بالانتفاضة العمالية في مارس عام 1972، قبل الاحتجاجات العمالية ، تأسست جمعية الريف النسائية في 5 فبراير عام
1972، أول جمعية نسائية تتأسس في قرى البحرين، بسبب مواقف القوى الرجعية لم تشهر الجمعية
إلا في مرحلة الانفراج السياسي في عام 2001م، وتأسس الاتحاد الوطني الطلبة البحرين
في الخارج في 25 فبراير عام 1972م ، من الروابط
الطلابية البحرينية في الخارج، حيث عمل على نشر الوعي السياسي والنقابي في صفوف الطلبة
البحرينيين وشكل رافداً من روافد الحركة الوطنية
البحرينية ، وبفضل التظاهرات العمالية في مارس عام 1972، وعلى أثر بعض الوعود التي
أدلى بها حاكم البحرين الراحل الشيخ عيسى بن
سلمان ، إلى ممثلي الأمم المتحدة الذين أشرفوا على الاستفتاء حول عروبة البحرين في
عام 1970م ، بإصدار دستور للبحرين و إقامة انتخابات نيابية، جرت انتخابات المجلس التأسيسي
في عام 1972م ، و انتخابات المجلس الوطني في 7 ديسمبر 1973م ، التي فازت فيها بعض الكتل
النيابية أبرزها كتلة الشعب اليسارية، فى تلك الفترة التاريخية في البحرين ، حدثت تطورات
هامة على صعيد نشاط منظمات المجتمع المدني ، أهمها تشكيل النقابات العمالية والمهنية
الأربع: في شركة البا ، وزارة الصحة ، الإنشاءات ، الكهرباء
في تلك الفترة أيضاً تأسس اتحاد الشباب الديمقراطي البحراني (
أشدب ) في 16 مارس من عام 1974،كمنظمة شبابية تقدمية، نظم المئات من الشبيبة في صفوفه
وأدخل الوعي الوطني والطبقي لديهم وناضل من
أجل مطالب وحقوق الشباب في التعليم والعمل
والسكن، ودفع مناضلوه الثمن باهظاً من الاستشهاد والاعتقال والنفي والفصل من العمل
والمنع من السفر لمواصلة دراستهم ، حدث هذا
أيضاً مع أعضاء الاتحاد الوطني لطلبة البحرين في الخارج، هاتان المنظمتان بالاضافة
إلى اللجان العمالية السرية والجمعيات النسائية ، وجمعية المحامين البحرينية التي تأسست
في عام 1975م ، وتم إشهارها في عام 1977م ، وبعض الأندية الرياضية التي كانت تقوم بأنشطة
ثقافية و فنية، و الفرق المسرحية ، وأسرة الأدباء والكتاب ، كانت تشكل أهم منظمات المجتمع
المدني في تلك الفترة التاريخية الهامة من حياة شعبنا، هذا يعود إلى الوعي الوطني الذي
يتحلى به أعضاء منظمات المجتمع المدني ، لا وجود لاصطفافات طائفية أو فئوية
.
3
–
المرحلة الثالثة
تبدأ من منتصف السبعينات
من القرن الماضي حتى نهاية عام 2000م ، ما قبل الانفراج السياسي في فبراير 2001م ،
مرحلة قانون أمن الدولة السيء الصيت، جاءت بعد حل المجلس الوطني المنتخب في 26 أغسطس
من عام 1975م ، كانت الأجواء في البحرين قمعية ، حيث زُجّ بمناضلي الحركة الوطنية من
( التحرير والشعبية ) وبعض من النواب اليساريين أعضاء كتلة الشعب في غياهب السجون والمعتقلات،
وعلقت بعض مواد دستور 73، في هذة الحقبة السوداء من تاريخ البحرين ، قدم شعبنا قوافل
من الشهداء والمعتقلين والسجناء السياسيين والمنفيين على مدار ربع قرن ومن مختلف الإتجاهات السياسية والفكرية في البحرين
، ففي مثل هذه الظروف الصعبة نشط كوادر وأعضاء ومناصرو الحركة الوطنية البحرينية في
العديد من منظمات المجتمع المدني ، وتأسست بعض الجمعيات ذات أبعاد مهنية مثل المهندسين والأطباء، الاجتماعيين ، الفنانين التشكيليين في منتصف سبعينات وثمانينات القرن الماضي
وفرقة أجراس الفنية في الثمانينات وفي بداية التسعينات جمعية الاقتصاديين ومسرح الصواري وغيرهما
.
4
–
المرحلة الرابعة
منذ بداية الانفراج
السياسي في شباط من عام 2001م ، بعد التصويت على ميثاق العمل السياسي ، وإطلاق سراح المعتقلين والسجناء السياسيين وعودة المنفيين والسماح بممارسة النشاط السياسي بالعلن تحت مسمى ( الجمعيات السياسية
) وصدور دستور عام 2002، الذي حدث حوله خلاف
بالرغم من إجراء انتخابات مجالس البلدية في مايو 2002، وانتخابات مجلس النواب في أكتوبر
2002، في تلك الفترة برزت بين الجمعيات المعارضة
ماعرف بثنائية ( المشاركة والمقاطعة ) وظل الخلاف
قائماً لعام 2006 ، في هذه المرحلة توسع نشاط منظمات المتجمع المدني وتأسست العشرات
من الجمعيات النسائية والشبابية والحقوقية والفنية والثقافية وغيرها بالإضافة إلى السماح
بتأسيس النقابات العمالية بعد إصدار جلالة الملك مرسوم بقانون رقم ( 33) لسنة 2002، بإصدار قانون النقابات
العمالية في سبتمبر من عام 2002، بتعديل مرسوم قانون العمل في القطاع الأهلي لسنة
1976م، مما فتح آفاق للعمال والموظفين لتأسيس
نقاباتهم في مواقع العمل المختلفة للدفاع عن مطالبهم وحقوقهم
.
في السنوات الأولى
كان نشاط منظمات المجتمع المدني ملحوظاً في المجتمع ووسائل الإعلام ، كما صدرت العديد
من الجرائد المحلية اليومية والأسبوعية والشهرية، وفي فترة لاحقة صدرت نشرات الجمعيات السياسية، وكانت أول نشرة صدرت باسم ( أخبار المنبر ) ( التقدمي حاليًا ) نشرة تنظيمنا في شهر يناير 2003م ، كان حراك منظمات
المجتمع المدني نشطاً و ملموساً، وأيضاً الجمعيات السياسية ومجلس النواب في دورته الأولى
والثانية ، والمجالس البلدية ، كان هامش الحريات العامة وحرية الرأي والتعبير أوسع
مما عليه الآن.
هناك رأي يقول بأن نشاط جمعيات و منظمات المجتمع
المدني قلٌ عمّا كان عليه في فترة قانون أمن
الدولة ، حيث الكثير من الكوادر و الأعضاء في تلك الجمعيات التحقت بالجمعيات السياسية
لتنشط فيها ، وتحديداً جمعيات المعارضة من ( التيار الديمقراطي ) ، هذا الرأي نعتقد
بأنه صائب ، لهذا نرى النشاط قلّ شيئاً فشيئاً عن السنوات الأولى من مرحلة ( الانفراج
السياسي ) ولاحقًا ضعف ، وبعض من الجمعيات توقف نشاطها وأخرى تم حلٌها من قبل المؤسسين
أو وزارة العمل والتنمية الاجتماعية لأسباب عدة ، وتبدو أوضاع بعض جمعيات المجتمع المدني
اليوم صعبة للغاية، بانعدام الحماس وروح المبادرة
لم تعد موجودة لدى العديد من الناشطين في تلك الجمعيات بالأخص إذا أخذنا بعين الاعتبار بأنه ( عمل تطوعي ) يأخذ الكثير من الوقت والجهد، دون
أن يسمع من ينشط في هذا المجال كلمة ( شكر
أو تقدير ) يصاب البعض بالإحباط واليأس، أضف
لذلك قلة الموارد المالية من أجل تنفيذ بعض المشاريع أو البرامج المقررة سلفاً ، والبعض
لا يستطيع دفع إيجار المقر، كما حدث للعديد من منظمات المجتمع المدني، مثل الاتحاد النسائي البحريني الذي تم إشهاره في 28 فبراير من
عام 2006م ، قرأنا في الصحافة بأنه لم يستطع
تسديد الإيجارات التي عليه إلى صاحب العقار ( المقر) لأشهر ، و لكنه حلّ الموضوع عن قريب، مثل هذا الاتحاد الذي في عضويته جمعيات نسائية عريقة ومناضلة ، ألا يستحق أن يحصل
على عقار ( ملك خاص ) له أسوة ببعض الجمعيات
التي حصلت على أموال ومقرات لا تاريخ يذكر لها
.
هذه نبذة عن تاريخ منظمات المجتمع المدني، نأمل أن تسمح لنا الظروف
بالتوسع فيها وتطويرها.