محمد حسنين هيكل هو أكثر من يستحق أن نطلق عليه لقب الأستاذ. كان، بالحق، أستاذاً في الصحافة وفي السياسة وفي التاريخ، وستظل كتبه وأحاديثه شاهداً على حقبة زمنية حافلة، امتدت عقوداً وشهدت تقلبات عاصفة وحروباً وثورات وانقلابات وتغيرات في السياسة، يمنة ويسرة، لكن هيكل لم يضيع بوصلته في الرؤية والتحليل رغم كل ذلك، فظلَّ رجل موقف يذود عنه، محذراً من عواقب الأمور قبل أن تأتي هذه العواقب، بما له من بصيرة وخبرة اكتسبها من حياته المديدة ومن مثابرته في الوصول إلى المعلومة الصحيحة، ليبني عليها مواقفه، التي تكون بحكم ذلك أقرب إلى الموضوعية.
بدأ المشوار الصحفي والسياسي لمحمد حسنين هيكل منذ العهد الملكي، وغطى، صحفياً، حرب فلسطين الخاسرة عام 1948، التي أسست لواقع جديد في المنطقة، وكان قريباً من جمال عبدالناصر وموضع ثقته، وظلَّ هيكل وفياً للتجربة الناصرية رغم قصر عمرها بالرحيل المبكر لصاحبها، وما تلى ذلك من انقلاب على منطلقاتها، كان محل احتجاج منه، ما حمل أنور السادات على إيداعه السجن بعيد توقيع اتفاقيات كامب ديفيد هو وطيف واسع من قادة الرأي العام في مصر ومن نخبها السياسة والثقافية.
عاصر هيكل عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، وأدرك ثورة 25 يناير 2011، وتفاعل مع أحداثها، وشهد صعود الإخوان المسلمين للسلطة وسقوطهم المدوي عنها، وتدل الأحاديث المتلفزة التي أجريت معه في تلك الفترة على إدراكه للمسار المضر بدور مصر وأمنها القومي لو استمروا في السلطة.
مؤيدو هيكل وآرائه كُثر داخل مصر وخارجها، وكُثرٌ كذلك هم المختلفون معه في الموقف والتحليل، لكن ليس بوسع أحد أن يتجاهل الأهمية الاستثنائية للرجل في تاريخ مصر الحديث، صحفياً وسياسياً، وقيمته كمؤرخ وثّق مراحل فاصلة من تاريخ مصر والمنطقة برمتها، معتمداً على الوثائق والمصادر الأصلية، مستفيداً في ذلك من شبكة العلاقات الواسعة التي تجمعه بزعماء وقادة سياسيين وصناع قرار في العالم العربي وفي العالم، ومما امتلكه من معطيات دقيقة فترة عمله مع جمال عبدالناصر، ما جعل منه شاهداً على واحدة من أخصب وأدق مراحل تاريخ مصر الحديث.
مركز الثقل في تحليلات وتحذيرات هيكل كان دائماً إدراك المصالح الوطنية والقومية لمصر، وعلى دورها العربي والإقليمي، والأثر الحاسم لذلك في منظومة الأمن العربي برمته، فمجمل الخبرة السياسة تؤكد أن حال العرب تصلح حين تصلح حال مصر، والعكس صحيح تماماً.