روجت الدوائر السياسية والأكاديمية والإعلامية الغربية طويلاً لنظرية الأمريكي صمويل هنتغتون عن صراع الحضارات، باعتباره سمة ستسود بعد انتهاء الحرب الباردة، وجرى تقديم الإسلام، بالذات، بوصفه أبرز الأديان، أو قٌل الحضارات، التي ستدخل في صدام مع الغرب المسيحي.
لحظة إطلاق هذه الدعوة والترويج لها، كان هناك من فطن إلى حقيقة أن الغرب، عبر هذا الترويج، يبحث عن ذريعة جديدة بعد أن انتفى ما كان يطلق عليه «الخطر الشيوعي»، تؤمن ديناميكية الصراعات في العالم، وهي صراعات تنجم عنها مصالح، وتدور، في نتيجتها، ماكينات صنع الأسلحة وتوريدها، فضلاً عن توفير الحجج لغزو البلدان واحتلالها، تحت يافطة مواجهة التطرف أو دمقرطة المجتمعات، فيما السبب الحقيقي هو الهيمنة على الثروات.
ما نراه اليوم في منطقتنا أن الصراع تحول إلى صراعات داخلية، داخل الدين نفسه أو الحضارة نفسها، فالأمر لا يجري دائماً على خلفية دينية أو مذهبية، وإنما قد يتخذ طابعاً جهوياً أو مناطقياً على ما نراه اليوم في بلد مثل ليبيا.
هكذا لم يعد الصراع بين الحضارات كما كان هنتغنون قد قال، وإنما تحول إلى صراع في الحضارة نفسها، يؤدي، في النتيجة إلى إضعافها وتفكيك مكوناتها، وجعلها في حال من الفشل أو العجز عن مواجهة الخارج، لا بل قد يجعل منها أكثر فأكثر أسيرة لهذا الخارج، خاصة حين يفلح هذا الخارج في إظهار نفسه كمنقذ أو مخلص من مخاطر الصراعات والفتن الداخلية.
يمثل «داعش» وما هو على هواه أو قريباً منه من حركات إرهابية حالاً نموذجية لدراسة كيف تمَ تحويل ما وصف بأنه تضاد بين الحضارات، إلى تضادات داخل الإسلام نفسه من جهة، وداخل الهويات الجامعة للأوطان والمجتمعات من جهة أخرى.
ما نراه اليوم هو أن مسلمين يقتلون مسلمين، تارةً لأنهم من مذاهب مختلفة، وتارة بين أصحاب المذهب نفسه، حين يحسب فريق منهم أن الفريق الآخر مرتد، هذا إذا تكلمنا عن النزاعات البينية بين المسلمين أنفسهم، ولكن إذا تحدثنا عن الصراعات داخل كل بلد من البلدان ذات التكوينات الدينية والإثنية المركبة، نجد أن القتال هو قتال ضد من هم غير مسلمين، كما فعل «داعش» مع الإزيديين والمسيحين في العراق، وهم وإن كانوا غير مسلمين في الديانة، لكنهم في التكوين الحضاري جزء من الحضارة نفسها، تاريخاً وثقافة وحتى لغة، وهي الحضارة المراد تفكيكها.
حرر في: 18/02/2016