تركيا اليوم ليست الإمبراطورية العثمانية يوم كانت تُدين لها الكثير من البلدان شرقاً وغرباً، وليس من شيم التاريخ، في حدود ما نعرف على الأقل، أن يعيد الروح إلى إمبراطوريات فُككت أو انهزمت.
وليس بوسع رجب طيب أردوغان أن يكون سلطاناً له ما كان لسلاطين تلك الامبراطورية من نفوذ وسطوة، لا داخل حدود مركز الإمبراطورية في تركيا فقط، وإنما أيضاً فيما كان خاضعاً لها من بلدان.
يريد أردوغان أن يتشبه بأولئك السلاطين، لكن هذا التشبه لا يجعل منه سلطاناً، المساحة بين الرغبة والواقع كبيرة، لا بل شاسعة في الكثير من الأحايين، خاصة حين تكون الرغبة داخلة في حسابات السياسة، فهذه الأخيرة تحكمها موازين القوى والتوازنات الداخلية منها، والخارجية خاصةً، حين يتعلق الأمر بحلم إمبراطوري، ذلك أن صاحب الحلم ليس اللاعب الوحيد في ساحات مفتوحة للاعبين كثر، ولكلٍ حساباته ومصالحه ومطامحه أو حتى أطماعه.
في لعبته الإقليمية يظهر أردوغان التخبط الناجم عن هذا التناقض بين رغباته وبين الواقع.
اعتقد لوهلة حين كان العالم العربي يضج، قبل خمس سنوات، بالأحداث الكبرى التي نعرف، أن الساعة أزفت لتركيا كي تتوج الرقم الأصعب في المنطقة.
كان الحساب مبنياً على أن نظراءه في المدرسة السياسية والفكرية من العرب، أي «الإخوان المسلمين»، قد باتوا في السلطة أو قاب قوسين أو أدنى منها في بلدان عربية عدة: مصر وتونس وليبيا وربما سوريا.
لكن النظراء العرب كانوا أقل فطنة من السيد التركي ذاته، ولم يحسبوا حسابات أخرى تجعل حلمهم بالاستحواذ على كل تلك البلدان عصياً، وإن كان من دور أدوه بعد ما عرف ب «الربيع العربي»، فهو أنهم ساهموا بالقسط الأكبر في إجهاض طموحات الناس التي خرجت تنشد الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية، وفي تهيئة السبل لعسكرة الانتفاضات وإفسادها على نحو ما حدث في سوريا.
أردوغان التي خابت أحلامه لحظتها يضرب اليوم خبط عشواء، اعتقاداً منه أن الوقت لم يفت تماماً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من تلك الأحلام عبر البوابة السورية، وإلى حد ما عبر البوابة العراقية أيضاً، لكن سوريا باتت مستباحة لكل اللاعبين.
أردوغان ليس وحيداً هناك، فسماؤها مكتظة بالطيران الحربي التابع لدول التحالف، ولكل دولة من هذه الدول حساباتها الخاصة بها، وبالطيران الروسي الذي باتت له اليد الطولى، وعلى أرضها تحارب «داعش» وحزب الله وميليشيات من شتى البقاع.
وسط غابة السلاح هذه تبدو أحلام السيد التركي بائسة.
حرر في: 16/02/2016