الوضع لا يحتاج الى شرح يطول، ولا مزيد من التباري بالتفسيرات والتحليلات..
14 شركة حكومية لا تدخل إيراداتها في ميزانية الدولة..!
التبرير.. هو ان هذه الجهات تحتفظ بإيرادتها لتغطية مصروفاتها التشغيلية، او تحتفظ بها استناداً لما تنص عليه قوانينها ولوائح تأسيسها..!!
الجهات المعنية في كلام اكثر تفصيلاً هي: شركة ممتلكات التي تنضوي تحت مضلتها 32 شركة، وغرفة البحرين لتسوية المنازعات المالية والاستثمارية، هيئة الكهرباء والماء، ديوان الرقابة المالية والادارية، هيئة ضمان جودة التعليم والتدريب، نادي راشد للفروسية وسباق الخيل، مستشفى الملك حمد، جامعة البحرين، كلية المعلمين، البلديات، بورصة البحرين، بنك الإبداع، بنك الأسرة، وبنك البحرين للتنمية..
ذلك الكلام الواضح والقطعي والباعث على الحيرة والتفكير والتأمل والكثير من التساؤلات منسوب لوزير المالية، وقد نشر في كل الصحف المحلية في الثلاثين من يناير، وهو لم يأتِ بغرض إحاطة المواطنين بما يفترض ان يحاطوا به بكل شفافية بشأن الحالة الاقتصادية الراهنة والمنهج المتبع في ادارة المالية العامة والاقتصاد الوطني في ظل الوضع الحرج الراهن، ولم يأتِ في سياق تشخيص مواطن الضعف في السياسات المتبعة والأداء المالي والاقتصادي للدولة، ولم يندرج من اجل توضيح ما اذا كانت هناك رؤية استراتيجية مدروسة وبرامج عملية ومجدية وخطط وإجراءات لضبط المالية العامة والاستخدام الرشيد للموارد، ولا لاعلامنا بتفاصيل الكيفية في اعادة النظر بالهيكل الانفاقي لموازنة الدولة وترشيد الانفاق وما اذا كانت هناك ضرائب ستفرض بشكليها المباشر وغير المباشر، ولا بتداعيات فلتان المديونية، وكلفتها، ولا بغرض بث الطمأنينة في نفوس المواطنين بان أساليب الدَّين العام تدار بشكل سليم، كما انه لم يأتِ من باب الاعلان عن تصميم جديد للأولويات في ظل هبوط اسعار النفط، او البرهنة على صوابية الأولويات الحالية، ولم يأتِ كذلك بنية التأكيد على ان هناك من يؤمن حقاً بالشفافية وبحق الناس في ان تعرف، ومؤمن ايماناً حقيقياً بأهمية توضيح كل عناصر التدفقات المالية وبكل عمليات الموازنة وأعلام الرأي العام بتطورات وضع المالية العامة عملاً بمبدأ الشفافية الذي هو عنصر لطمأنة المواطن، ومدرك بأنه اذا غابت المعلومات، او زينت او زيفت وتلونت الحقائق وشوهت او جاءت عبر الأبواب الخلفية، تكون النتائج باختصار غير مرضية وتفرز ما لا يخطر ببال!! ولكنه كلام جاء في اطار رد للوزير على اسئلة نيابية من جملة الاسئلة النيابية المتكررة والرتيبة، ويبدو ان الوزير تعمد هذه المرة ذلك، ولعله افضل ما فعل ربما لأنه طرح كلاماً ليس من النوع الذي نواظب على سماعه، ولا نعلم اذا كان من النوع الذي جاء نتيجة الاقتناع بانه آن الأوان لجرعة شفافية ومصارحة ومكاشفة، فالوزير أوضح ان هناك جهات حكومية مثل ممتلكات يسمح قانون تأسيسها بان تحتفظ بايراداتها، او بإدراج جزء من عوائدها في الميزانية العامة للدولة، الا ان الشركة لم تودع أية مبالغ في الميزانية..! وأوضح من جهة ثانية «ان وزارة المالية تواصل بعض الخطوات التي تضمن مبدأ الشفافية وتحسين الإيرادات العامة للدولة»..!!
لا يستطيع المرء امام مضمون ذلك الكلام ان يكتم مشاعر الدهشة والاستغراب امام جهات حكومية ليست معنية بان تقدم اي شكل من أشكال الجردة الحسابية التي توضح للشعب والبرلمان – بافتراض انه يمثل الشعب – والجهات الرقابية اي معلومات حول كيف يدار المال العام، كيف تصرف وتنفق الأموال وعلى اي أساس، وهل كل الجهات المذكورة جميعها تجري تدويراً لإيراداتها لتغطية مصروفاتها التشغيلية، الا يحقق منها اي ربح او اي عائد، وأين تذهب الأرباح او العوائد وفي اي جهة تتجه، واذا كانت هناك خسائر محققة في اي من هذه الجهات أليس هناك من يتحمل واقعياً تبعات هذه الخسائر، ومن المعني باتخاذ القرار الحاسم فيما يخص مسار هذه الجهات، وقانونية أعمالها، ولماذا هذا الإصرار على ان يكون كل هذا الغموض غير البناء ماثلاً امام أعين الجميع يملأ الانتظارات المفتوحة على لا أفق..!!
صحيح انه تم التوافق في فترة ماضية بين الحكومة والنواب على إدراج إيرادات 5 جهات حكومية في الميزانية العامة للدولة لعامي 2015 – 2016، وهذه الجهات هي معهد الادارة العامة، وبوليتكنك البحرين، وهيئة الحكومية الاليكترونية، ومجلس التنمية الاقتصادية، والهيئة الوطنية لتنظيم المهن والخدمات الصحية، والتي بلغ مجموع إيراداتها جميعاً على مدى عامين 375، 6 ملايين دينار، ولكن الصحيح ايضا هناك 14 جهة حكومية لا زالت بمنأى عن رقابة اي جهة رقابية تتابعها وتراقبها وتحاسبها، وبالتالي يصعب على المواطنين فهم واستيعاب سبب استثناء هذه الجهات من اي رقابة، ولا أظنهم يتفهمون او يتقبلون اي تفسير لهذا الاستنكاف عن شق طريق الرقابة والمساءلة لهذه الجهات وعدم إدراج عوائدها وأرباحها في الميزانية العامة للدولة وفق الأصول المعروفة خاصة في ظل الوضع الراهن..!
صحيح ايضاً ان هذه ليست المرة الأولى، ففي مضي وعذراً لهذه العودات والاستعادات والتذكيرات، ولن نمضي في هذا السياق بعيداً بعيدا، بل سنكتفي بما هو قريب، ومحدد بشركة ممتلكات القابضة التي تأسست في عام 2006، فهذه الشركة تملك وتدير ما مجموعه 32 شركة، ست منها من الشركات الكبرى، وتملك جزءاً من أسهم 14 شركة اخرى، إضافة الى الشركات الخارجية التي تساهم فيها والتي تتجاوز قيمة موجوداتها المليارات من الدولارات، وقد شكل مجلس النواب لجنة تحقيق برلمانية للنظر في وضع هذه الشركة، واعلن رئيس هذه اللجنة النائب احمد قراطة في العاشر من نوفمبر الماضي بانها هذه اللجنة شكلت للنظر في تدهور الأوضاع المالية والادارية للشركة والشركات التابعة، وقال ان معظم ردود الشركة متناقضة وليست ذات قيمة ولا تمكن من الخروج برؤية واضحة وشاملة حول أوضاع الشركة، والمفارقة ان الناس لا تعلم حتى اسماء اعضاء مجالس هذه الشركات ولا قياداتها التنفيذية، لذا لم يكن غريباً ان يتوجه احد النواب في الاسبوع الماضي بالسؤال عن الوزير المسؤول عن طيران الخليج امام مجلس النواب، بعد ان اكتشف ان وزير المواصلات غير معني، مبدياً استغرابه بان النواب عندما يسألون عن شركات وقطاعات معينة يواجهون بالرد «ان السؤال الموجه ليس من اختصاص وزير ما»..!!
نأتي الى الكلام الذي مفاده «ان وزارة المالية تواصل بعض الخطوات التي تضمن مبدأ الشفافية وتحسين الإيرادات»، فهذا امر آخر يبعث على الحيرة، لأنه يفهم منه ان الوزير يعطي الاشارة الى ان الالتزام بالشفافية بكل مقتضياتها وموجباتها في شأن ادارة المال العام لم يأخذ مداه المفترض، او انه التزام لازال في اتجاه الى ان يصبح ممكناً..! وهذا يعطي في ابسط تحليل مبررا للظن بان ذلك الالتزام ليس التزاماً ثابتاً، ولا مؤكداً، ويبقى في المجرد، او لنقل بانه التزام شاحب حتى الذبول، رغم كل الكلام الطيب عن الشفافية والتمسك بها، وهو الكلام الذي وجدناه يتكرر على لسان كثر من الوزراء والمسؤولين ألفناهم يحرصون في كل مناسبة على التأكيد بان مبدأ الشفافية والمساءلة قد استقر في كل اعمال وتصرفات الجهات المعنية بإدارة المال العام.! ومن ضمن هؤلاء من خرج علينا بالقول الى ان التراجع في اسعار النفط لن يصل الى السعر المرصود في الميزانية، كما ان من بين هؤلاء من أطلق الكلام الشاعري بان قرارات التقشف وشد الأحزمة لن تمس المواطن، هل تذكرون، ثم فوجئ هذا المواطن وبين ليلة وضحاها كيف رفعت اسعار المشتقات النفطية بنسبة 60%، وتتوالى المفاجآت عن تحضيرات بفرض رسوم على خدمات الكهرباء والماء والصحة والمجاري ولا نعلم الى اين سيمضي هذا الاتجاه، المهم اننا لم نعد نسمع أحداً يردد نغمة «المواطن لن يمس»..!! وها هو مشروع قانون الدَّين العام يعاد الى مجلسي الشورى والنواب لكونه «سوف يؤدي الى عدم قدرة الحكومة على تنفيذ الميزانية العامة للدولة للسنتين 2015 – 2016 وإعاقة تمويل النفقات الخاصة بالخدمات الاجتماعية التي تمس المواطن بشكل مباشر»، وأحسب ان هذا أمر في حد ذاته يفرض على اصحاب سياسة تمويه او نفي المشكلات ان يباشروا عن اقتناع سحب «سياسة النعامة» من التداول، ومكاشفة الناس من باب الشفافية كيف تدرس المشكلات وعلى اي أساس توضع الحلول والمعالجات التي تمضي بنا في الاتجاه الصحيح من دون تخبط بل اعتماداً على خطط واستراتيجيات مدروسة لا تجعلنا ننزف باستمرار ولا تحصن اي جهات من الرقابة والمساءلة، ولا تجعل الفقراء يزيدون فقراً ولا تجعل المواطن مرهقاً بالهواجس المقلقة وبالتساؤلات القلقة عن وضعه وعن المستقبل.
الثلاثاء 9 فبراير 2016