ترتبط سيرة وإبداع المسرحي المغربي الطيب الصديقي الذي غادر الدنيا للتو بسيرة الحركة الثقافية والفنية والإبداعية عامة في المغرب. من المسرح البلدي الذي أسسه الصديقي في الدار البيضاء انبثقت أنشطة ومجموعات مختلفة، بينها، على سبيل المثال، فرقة «ناس الغيوان» التي أسست لتجربة موسيقية وغنائية مهمة لم يقتصر صيتها على المغرب وحده، إنما بلغت أصداؤها العالم العربي كله، وسبق لها بالمناسبة، أن شاركت في البرنامج المصاحب لإحدى دورات معرض الشارقة للكتاب حين كان يقام في موقع «إكسبو الشارقة» القديم.
ولد ونشأ الصديقي في مدينة صويرة المغربية المطلة على المحيط، وهو في أحد اللقاءات معه تحدّث عن تعايش وتفاعل سكانها اليهود والعرب قبل قيام الكيان الصهيوني في فلسطين، ولكن الصديقي أحب كثيراً مدينة الدار البيضاء التي آثر العيش فيها، فهو يعتبرها، على خلاف الكثيرين، من أجمل مدن المغرب وأكثرها حيوية، وخص بالذكر منطقة الحبوس فيها التي يراها تحفة عمرانية، ومن أنظف أحياء المدينة.
ما من مسرحي عربي انشغل بالتراث العربي الإسلامي مثله، ومنه نهل موضوعات العديد من أعماله المسرحية، رغم أنه لم ينغلق على التراث المسرحي العالمي، هو الذي قصد باريس شاباً ليتأهل في مجال البريد، لكنه سرعان ما هجره إلى المسرح، حيث استلهم من موليير وغوغول وصاموييل بيكيت.
تجلت انشغالاته المسرحية المستوحاة من التراث العربي الإسلامي في أعمال لافتة مثل «مقامات بديع الزمان الهمداني»، التي نجح في تحويلها إلى عمل مسرحي متقن، ومسرحية «كان يا ما كان» التي اعتمدت على الرمز الحكائي لقصص وحكايا ألف ليلة وليلة. كما قدّم مسرحية «الغفران» المستوحاة من رسالة أبي العلاء المعري، وبرع أيضاً في تقديم «الإمتاع والمؤانسة» عن حياة أبي حيّان التوحيدي.
تعطينا العناوين أعلاه إشارات واضحة عن منهج الطيب الصديقي في التعامل مع أكثر النصوص إضاءة وعمقاً في تراثنا، في تجسيدها لقيم العقلانية وحرية التفكير، وتقاطعها مع قضايا الحاضر، في تحريضها العقل على الاستيقاظ من وهدته، والاستجابة لما يطرحه العصر من قيم كونية، على العرب تمثّلها في المنعطف التاريخي الذي يعيشونه.
من المفهوم أيضاً أن مبدعاً مثله وقف على التخوم المشتركة للفنون، وكان في القلب من الحراك الثقافي والفني ، لا بد أن يستلهم من مجتمعه المغربي، بما يعرف عنه من ديناميكية ثقافية واجتماعية عالية، أفكاراً وقضايا تتصل بقيم الحداثة والتسامح، وتحرير المجتمع من كوابح التقدم.
حرر في: 08/02/2016