حين يعقد الواحد منا مقارنة بين الهبات والانتفاضات التي شهدها عالمنا العربي قبل خمس سنوات سيجد أن بعضها اعتمد طابع المقاومة المدنية والاحتجاجات السلمية، فيما جنح البعض الآخر إلى اعتماد العنف والسلاح وسيلة، بسبب الوهم بأن ذاك سيسرع النصر ويحقق الهدف في الإطاحة بالأنظمة القائمة.
سيحملنا ذلك على المقارنة بين النتائج، فحيث كان العمل السلمي منهاجاً وجدنا تلك الانتفاضات تبلغ ما سعت إليه أو بعضه، على نحو ما حدث في تونس ومصر، ولم تفلح آلة القمع التي تملكها الأنظمة في القضاء على الحشود الهائلة من المواطنين الذين هبوا إلى الساحات والميادين بصدور وقبضات عارية.
وحصل العكس تماماً في الحالات التي تم فيها الجنوح نحو عسكرة الانتفاضات، كما حدث في ليبيا وسوريا وربما غيرهما أيضاً من البلدان. صحيح أن نظام معمر القذافي تمت الإطاحة به، ولكن ذلك لم يكن لأن من أطلق عليهم يومها بالثوار من القوة والالتفاف والشعبي حولهم ما مكنهم من ذلك، وإنما لأن تدخل قوات «الناتو»، هو من أدى إلى ذلك، حين دكت الطائرات الآتية من حاملاتها قبالة السواحل الليبية في البحر المتوسط العاصمة، ولاحقت القذافي بعد فراره منها لتوقع به.
في سوريا حصل شيء مشابه، فقد خرجت المطالبات الشعبية المشروعة بالديمقراطية والحقوق السياسية عن نطاقها السلمي، لتنحو منحى العسكرة والعنف الذي فتح الأبواب على مصاريعها لتدخل القوى الإقليمية والدولية والميليشيات المدعومة منها في الشأن السوري، ولتدخل البلد في حرب أهلية طاحنة مدمرة، ما من رابح فيها.
لن يجدي كثيراً هنا السجال حول من كان البادئ في استخدام العنف، النظام أو المعارضة، لأن واجب المعارضة خاصة في مجتمعات منقسمة عمودياً على أسس مذهبية أو عرقية ألا تُستدرج لاستخدام العنف، وهذا ما تنبه له التوانسة والمصريون، فجنبوا شعبيهما وبلديهما مخاضات الدم والقتل والدمار والخراب، التي لا تكون إلا مخاضات طويلة على ما نراه اليوم في ليبيا وفي سوريا.
يحضرنا هنا ما كان مفكر عربي لامع هو الراحل هشام شرابي قد تنبه إليه، حين تساءل: «كيف يمكننا تحويل العلاقة بين الدولة ومواطنيها من علاقة مبنية على العنف إلى علاقة مبنية على القانون»؟
ولم يترك الرجل سؤاله معلقاً، بل أجاب، بأن «الالتزام بالوسائل القانونية القائمة على اللاعنف في العمل السياسي قد يؤدي إلى نتائج عملية كوضع حد لعنف الدولة وطبع العلاقات الاجتماعية بطابع إنساني».
حرر في: 03/02/2016