لأنه لا يوجد نواب يشبهون نوابنا، يسعنا الاطمئنان إلى أنهم سيبقون يشبهون أنفسهم، وهذا كلام واضح لا أظنه حمال أوجه، وحين يصل تفرد نوابنا الى هذا المستوى من الوهن الذي هم عليه اليوم، من غير تصنع، أو زيادة أو نقصان، عنذئذ يصبح من حق كل بحريني ان يخلص إلى قناعة بأن ثمة خطيئة ترتكب فى حق هذه البلاد، وفى حق ناسها، وحق الأجيال المقبلة، وحق المستقبل، وهو أمر يستحق عليه النواب أعسر حساب..!!
لا يكتمل المشهد على ذلك النحو الذى شهدناه فيما يخص الاستجوابين، دون التذكير بالكيفية التى فرط وتنازل نواب الفصل التشريعي السابق، وفى أواخر ايام ذلك الفصل، عن الصلاحيات الممنوحة للبرلمان حين أقروا وهم بكامل قواهم العقلية قيودًا وضوابط وملوثات أوصلت أدوات المساءلة ومنها الاستجواب الى تيه لا يظهر عليه أفق، أدوات نص عليها الدستور ولكن وجدنا من يريد التخلص منها، ونقلها على وجه السرعة الى «الجبانة» لتتلى على روحها آي من الذكر الحكيم، دون الحاجة لمعرفة، هل انتقلت الى رحمته تعالى بالوفاة ام قتلا..؟، الناس تتابع وتتذكر ولا تنسى..
من تابع ورصد وتأمل كل ماقيل ويقال وسيظل يقال وذلك الكم من التعليقات التى تم تداولها فى الأيام الماضية، فى الفضاء الإليكتروني، وفى المجالس والمنتديات والصحافة على خلفية إسقاط الاستجوابين، وحالة الصخب التى سبقتها والمقرونة بكثير من التهديد والوعيد والمراهنات والمزادات والمزايدات وكل ما بات شائعًا عند النواب، نواب البحرين وليس غيرهم، من فعل ذلك يدرك إلى أي مدى هى حالة إحباط الناس من النواب، وكيف أن الجميع سلموا، أو هم على طريق التسليم، بانه لم يعد بمقدورهم التعويل على النواب فى أي شيء، وكل شيء، وفي المقدمة دورهم في المساءلة والمحاسبة، تخيلوا لو ان النواب قادرون على تفعيل دورهم في هذا المجال بالكامل، تخيلوا، ولكن لا تذهب بكم الظنون بعيدا، فقد وجدنا ومن دون التوغل فى الماضي القريب كيف فوت النواب على انفسهم في ان يصبحوا نوابا بجد، وكيف انهم عجزوا ان يأخذوا الدرس والعظة والعبرة من الغير، من القريب والبعيد من برلمانات العالم لعلهم يرتقوا بأدائهم، ومن اجل ان ينتزعوا صلاحياتهم المسلوبة، ومن اجل الا يزجوا بالاستجوابات كأداة مساءلة بين الحواجز والمتاريس، او فى صراعات الكواليس والمساومات، او إخضاعها للأوامر والتعليمات والتوجيهات، ومن اجل الا يقتصر العمل الأساسي للنواب على الاقتراحات برغبة، لا يشرعون، ولا يحاسبون، ولا يراقبون، ولا يسألون، ولا يقررون، من اجل الا تبدو لنا التجربة البرلمانية كأنها مزيج من مأساة عظيمة، مهزوزة البيان والكيان، يزدحم فيها النواب الذين يتنافسون على ان يمثلوا فيها علينا دور البطل، او دور المنادين بالديمقراطية، او دور دعاة حريات الرأي، ولعلها مفارقة ان نقرأ فى هذه الأيام عن بلاغات الى النيابة العامة ترفع من أمانة النواب ضد مغردين فى مواقع التواصل وبعض الشخصيات بذريعة انهم تجاوزوا الحدود والخط الفاصل بين نقد وسب النواب على وقع إسقاط الاستجوابين، وكأن ثمة من يستكثر على الناس حتى ردود الفعل التعبير عن خيبتهم من النواب إجمالا، ويصر على جرجرتهم الى المحاكم..!!، ولا نعلم ماذا سيكون موقف امانة النواب من طرد احد النواب من مجلسين شعبيين فى المحرق على ذات الخلفية، او من معظم المواطنين الذين لا يواصلون دون كلل من إبداء امتعاظهم من النواب وكيف ان مخرجات أدائهم لم تثمر سوى الخيبات تلو الخيبات وبأعداد غفيرة، يقابلها حسرة الملتاعين لتجربة برلمانية معتبرة تفرض دورها ووقارها واحترامها وهيبتها..
أسوأ ما فى المشهد البرلماني الأخير هو محاولة بعض النواب إيهام الناس بأن تخليهم عن الاستجوابين جاء من منطلق الواجب الوطني، وبأن صرف النظر عن الاستجوابين امر استوجبته المصلحة العامة فى هذا الظرف الدقيق، وبأن تغليب المصلحة العليا للبلاد فوق اي مزايدات وان الوطن بحاجة الى التلاحم، ذلك كلام قيل وموثق ومنشور، واذا كان علينا أيضا ان نلاحظ باستغراب شديد ذلك الخبر عن تشكيل لوبي نيابي لإسقاط طلبي الاستجواب، رغم انه بات معروفًا ان هناك نوابا يتربصون باي مشروع استجواب، يستميتون فى تشويه قانونيته وقصقصة أجنحته وإسقاطه، ويكتمل المشهد العبثي حين نعلم أولا بان نائبين من اصل ثلاثة هم اللجنة المعنية بالنظر فى جدية الاستجوابين قررا عدم توافر الجدية المطلوبة، وحين نعلم ثانيا ان تمرير طلب الاستجواب يحتاج الى أغلبية الثلثين من اعضاء المجلس، اي 27 صوتا، ورغم ان 32 نائبا وقعوا على طلبي الاستجواب، الا ان المطاف انتهى بالطلبين الى موافقة 23 نائبًا مؤيدًا، و3 رافضين، و9 بين صامت وممتنع، ليسقط مشروع الاستجواب كقطع الدومينو تمامًا كما هو الحال لمشاريع استجوابات سابقة، صاحبها الكثير من الضجيج والتهريج والتراجعات الفجة المقرونة بتبريرات لا تقنع أحدا تجعل العمل البرلماني المفرغ من مضمونه يراوح في مكانه، وتجعل الناس على قناعة اكثر بان واقع الحال البرلماني يستدعى استجواب النواب انفسهم..!!، وهذه فكرة احسب انها جديرة بالنظر، خاصة من جانب العديد من الجمعيات السياسية والحقوقية، وكذلك الرابطة الأهلية لمراقبة اداء النواب، وغيرها من الجهات ذات العلاقة والاهتمام، وتلك التي في طور التشكل والتي يقودها عدد من الشباب يعتزمون إطلاق موقع اليكتروني تحت مظلة «راقب النائب».
لا نطالب بتحقيق المعجزات، بل باحترام عقول الناس، بإيجاد عمل برلماني حقيقي بأدق معاني الكلمة، عمل قادر على الوصول بالقياس الى المبادئ والى المسؤوليات، ونواب لائقين تجاه هذا العمل وتجاه انفسهم وتجاه من يفترض انهم يمثلونهم، نواب لا يعوزهم الجد ولا الكفاءة، وقادرين على التوفيق بين أقوالهم وأفعالهم فلا يكون ما ينتقدونه وما ينكرونه هو على وجه الدقة ما يفعلونه، نواب جديرين بصفتهم، لا يمارسون التسطيح، ولا يتزلفون، ولا يمتهنون بدعة تخليص المعاملات لشراء ولاءات او أصوات ناخبين، ولا يجرون لأنفسهم السخرية او الهجاء، ولا يستقيلون من واجب المحاسبة والرقابة ولو فى حدها الأدنى.. ولا يجعلوننا مضطرين من بعد الى تبديد طاقاتنا فى إثبات البديهيات فيما يخص الأساس الذى يستقيم به ميزان العمل البرلماني الحقيقي، وأداء نواب وفق أكثر الشروط قربا الى المعقول.. هل هذا مستحيل..؟!
الثلاثاء 2 فبراير 2016