دعونا نتكلم بمنتهى الصراحة والأدب..
هل من المصلحة الدفع نحو جعل الجمعيات الأهلية، او منظمات المجتمع المدني، والجمعيات السياسية في المقدمة، بمثابة الكيانات الكسيحة، او المعوقة، او من ذوات الاحتياجات الخاصة، او جعل حالها لا يختلف عن حال الأيتام على موائد اللئام، او جعلها رهينة عند جهلة او اصحاب مصالح او انتهازيين يقدمون أنفسهم بوصفهم «الشغالين، الحريصين، الغيورين حاملي عبء مقتضيات المصلحة العامة على اكتافهم».. اقحموا العمل الإهلي في لعبة البطانات والحاشيات والطموحات والمصالح الشخصية تارة، ولعبة الطوائف والأقطاب والاستمالات تارة اخرى، جرى ذلك على نحو معيب بأي معيار في الحالتين..!!!
هل يمكن ان يقول لنا أحد ممن يفترض أنهم معنيون بشكل او بآخر، لمصلحة من الإنكباب على تلويث أجواء عمل تلك الجمعيات والمؤسسات واستمرار «فولكلور» بعضها في ممارسة أعمال أفرغت اهداف كل منها من مضامينه وعلى نحو مروع، وكبلت إمكانيات الفعل الحقيقي المنتظر او المفترض، ووسعت من الشكليات والبهرجات العقيمة، وكرَّست الهيمنة عليها من بعض من برعوا في تجويد العبث، وبات هذا منجزهم الحقيقي، ان من بين هؤلاء من بذلوا المستحيل ولا زالوا كي يوهمونا بانهم مصدر رائع للحكمة ويدعون الى الوطنية، ولكن من زاوية انها غنيمة، يقررون مصيرها، وينطقون باسمها، ولكنهم أضاعوا اتجاهها، وجعلوا حصيلة الكيانات التي أمسكوا بها حصيلة مريرة بكل المقاييس، بعد ان احتجزوها في انانيات، او جعلوها مطية لمصالح أو لمآرب مفتضحة، او صهوة لمن لا صهوة له، ووجدنا كيف ان جمعيات تأسست على مقاس البعض، زركشوها بالشعارات، وبالخطب الواهية الطنانة الرنانة ولنا في الواقع دليل بل أدلة، ونعلم كيف يكون حال اي مؤسسة او جمعية حين تسلم أمرها لأفراد منها او يجير كيانها لهم، وخطير ان تتقزم اي مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني أو جمعية سياسية الى فرد او أفراد، او ان يكون جل عملها لصالح حضورهم الشخصي، وإظهارهم أحيانا بل في كثير من الأحيان على انهم حكماء، وهم إن كانوا ينتحلون صفة العام إلا ان يسوقوا أنفسهم وكأنهم يبحثون عن عمل او عن دور يحتجزونه ويحتكرونه وينفخون في ذاتهم بلا هوادة، او ليثبتوا انهم موجودون، همهم ان يبقوا في الواجهة حتى وان استضعفوا كياناتهم واختزلوها في أشخاصهم وطموحاتهم المرتجفة ويديرونها على طريقة ألعاب «الفيديو جيم».. يتكئون على شعارات صدئة ملَّ الناس منها، وهذه واحدة من ألمع مهاراتهم في مسيرته المظفرة..!!
أليس ذلك هو حال بعض المؤسسات والجمعيات، خاصة تلك التي احسب ان الجميع يعلم دوافع تأسيسها ويعرف كيف وفي اي ظرف ووضع وعلى اي أساس تأسست، وكيف هو حالها الآن، وكم هي مساحة الاهتراء التي تعاني منها لتصبح في أبسط توصيف جثة هامدة في انتظار مهرجانات تأبينية، وحتى توصيف هذه الكيانات بانها جمعيات خاملة على حد تعبير وزير العمل والتنمية الاجتماعية أمر ينطوي على اعتراف بمرض عضال في واقع الحال، ربما لم نتوقع ان يرتفع صوت مسؤول بالحديث عن جمعيات الخواء المفرغة حتى من الفراغ..! فالوزير الذي نفترض انه يقف على أرضية صلبة من المعرفة بأوضاع الجمعيات، على الأقل تلك التي تنضوي تحت إشراف وزارته، اعلن أخيراً عن وجود جمعيات خاملة، وجمعيات ورقية، كأن التوصيف او التسمية او العنوان هو الذي ينقصنا، لا تمارس اي نشاط، والتي تأسست – بحسب الوزير – وليس في نية مؤسسيها إضافة اي عمل نوعي للمجتمع، وإنما لرغبة رئيسها مثلا بان يكتسب صفة ما في المجتمع.. يا لهول هذا الاكتشاف الذي لم يكن ليعلن عنه لولا سؤال برلماني عن وضع الجمعيات، هذه الجمعيات التي لوثت أجواء العمل الأهلي العام، والشأن العام، وأمست مهزلة بعد ان وصل حال هذه الجمعيات الى ما وصلت اليه..
هناك بحسب ما اعلن 617 جمعية اهلية، 28% منها خاملة، اي ان هناك 174 جمعية خاملة او متعثرة او جمعية الشخص الواحد، او جمعية الشلة، او جمعية مجموعة طائفيين، او جمعية مجموعة «نرجسيات» ليس في بال القائمين عليها سوى الرئاسة لمن، والإعلام لمن، والوجاهة لمن، و«الرزة» لمن، الى آخره، وفي الأغلب ان كل منصب فيها مرسوم على قياس هذا او ذاك، غير قابل للتداول، وممنوع بزوغ أدوار من خارجها لأن المسألة خاصة عند الذين لا ينتجون اكثر من ذواتهم، يصبح وكأنه صراع على الوجود..!!
عندما يصبح الوضع الى هذا الحد بالنسبة لبعض الجمعيات، وتحل الكآبة في واقع العمل الأهلي، كآبة مناخ مثقل بالمرارة والعجز والضجر العميق المولود من بطن الخيبة المتغلغلة في الأساسات والتشكيلات المرتجلة والدوافع المبهمة والتخبطات والصراعات والشللية والشلل ونرجسيات طالبوا الأدوار، وكل ما يدور او يتداول في الكواليس، وقد بدأ يتردد في إسراف واضح وتكرار ممل الكثير من الكلام واللغط حول أوضاع مأساوية لجمعيات بعينها، وحول جمعيات صورية دأبت على فبركة الانجازات، وتلك التي انتهت قبل ان تبدأ رغم كل الصخب الذي رافقها واظهرها بأنها ستكون متوهجة في عطائها وانجازاتها، وحول جمعيات رفعت بضعة شعارات رددتها حتى ابتذلت وافرغت من مضامينها وأصبحت بلا معنى.. ولا احسب ان ثمة موجب لتقديم أدلة والاستعانة بشهود إثبات..!!
لن نتوقف عند حدود الاعتراف بوجود الجمعيات الخاملة والتي باتت بحاجة الى الكثير من أدوات التجميل لعلها تزيل القبح الذي تطل به علينا، خاصة تلك التي تأسست ونشأت وترعرعت وشبت على الالتباسات و«تأزيل» الجمود، وتسطيح القضايا، والخروج من نطاق أدنى فاعلية او تأثير، والأسوأ تلك الجمعيات التي اعتادت ان تقوم بما يجعلها من أرباب الطائفية، او على الأقل المستسلمة للمشيئة الطائفية في مشهد يبدو برمته عبثياً أسوأ وأخطر ما فيه ان يستهلك احتياطي الأمل لدينا مثلما استهلكت أشياء أخرى..!!
نعود ونقول لا ينبغي التوقف عند حدود تلك الجمعيات، هناك بالمقابل جمعيات سياسية ومنظمات مجتمع مدني لم تكن يوماً جمعيات من ورق، بل هي ذات حيوية وشأن في المجتمع، وجزء عريق من تكوينه والحراك المجتمعي والسياسي، ولا يساء الظن بنياتها، جمعيات ومنظمات تعمل حقاً من اجل واقع ومستقبل افضل وبمقتضى التزام وطني حقيقي كهدف وغاية، قد يختلف البعض على منهج عمل او أداء هذه الجمعية او تلك، وقد يسجل البعض مآخذات او نقد على هذه او تلك، والنقد الحقيقي ليس بقليل، ولكن يصعب الاختلاف على وطنية هذه الجمعيات. وليس من الحكمة ان يمارس عليها اي تضييق او خناق، او ان تكون عرضة لتهديد وقف الدعم المالي عنها، حتى وان جاء بذريعة التقشف، في الوقت الذي لا تزال تصرف إعانة لغرفة التجارة، وأي إعانة، مليون دينار سنوياً..!!
يمكن ان يقال الكثير في شأن واقع مؤسسات مجتمعنا المدني، من جمعيات، ومؤسسات، ونقابات، واتحادات، ومراكز، والمطلوب ان يفتح هذا الملف بمنتهى الوضوح والجرأة ومن دون ارتجال، علينا ان ندرك بان المطلوب هو تحرك حقيقي يعالج كل التشوهات في هذا الواقع، وليس نيات، مجرد نيات مثقلة بالعجز، قوة المجتمع المدني في اي مكان وزمان دليل عافية للوطن، وهذا يكفي..
الثلاثاء 19 يناير 2016