المنشور

وضعنا العصيب..!!


الوضع العصيب الراهن لا يحتاج الى شرح يطول، وهو بالنسبة للبحرينيين، ربما كبارهم قبل صغارهم هو وضع مقلق بكل المقاييس، وعلى الجميع ان يتقبلوا ويستقبلوا وينصاعوا لما يفرض عليهم من «كوكتيل» من الاجراءات المعلن عنها والمرتقب منها، ومنها تلك التي يتوقع ان تذهب بنا الى ما هو أبعد وأعقد مما هو عليه الآن، ولا احد على يقين ما اذا كان سيكون لكل هذه الاجراءات قيمة جادة تخفف من وطأة تداعيات المتداول من اجراءات او قرارات يخشى ان تذهب بنا الى ما ليس بمقدورنا إدراكه او استيعابه او تحمله من خطوات لا يستطاب ثمراتها ولا ندرك متى تنتهي، ولن يكون في وسع المواطن العادي حيالها إلا ان يتحلى بالصبر الجميل.. او الحنق المكظوم او المعلن، المقرون بقائمة من الأسئلة التي يبحث البحرينيون عن إجابات لها بلا طائل، رغم ان هذا المواطن الذي يراد له ان يكون أسيراً للغة التطمينات التي ألفناها في الفترة الأخيرة تتدفق بلا حساب في كل الاتجاهات لتصب في مجرى التأكيد بان الوضع المعيشي للمواطن البحريني لن يمس، وانه لن يكون هناك تسريحات للعمالة البحرينية، وما الى ذلك من تطمينات تتوه وتتزاحم في ظلها الاستنتاجات والتوقعات والهواجس التي تضرب تلك التطمينات في الصميم.

لنأخذ كمثال ليس إلا، اللقاء التليفزيوني الذي أطل به علينا 6 وزراء دفعة واحدة على شاشة تليفزيون البحرين في الاسبوع الماضي، فقد توقعنا بانه يأتي في اطار الترويج لوجهة النظر الرسمية بشأن رفع الدعم وزيادة الرسوم وغيرها من القرارات التي تؤثر مباشرة في وضع ومستوى معيشة المواطن، وتوقع الناس بان تكون هذه الخطوة مدروسة، وموزعة في الأدوار والمحاور والملفات، وان يكون عند كل وزير ما يقوله للناس في هذا الوضع، يشرح لهم السياسة المالية والاقتصادية، وخطة الحكومة ورؤيتها في كيفية حماية الوضع الاقتصادي، وكم هو هذا الوضع خطير، وما هي الوسائل التي يمكن ان تجعل المواطن قدر الامكان بمنأى عن المعالجات غير المدروسة بعناية، كنا توقعنا ان نسمع من الوزراء الستة اي شيء ينبئ بان هناك رؤية او استراتيجية او خطة، ليس مهماً التسميات، المهم كنا نود ان نسمع ما يدل على وجود فكر استباقي يخرجنا من ثقافة ردات الفعل والعمل في الوقت ما بعد الضائع، مما يجعلنا امام خيوط متشابكة ومقاطعة تضعف وتكبل وتعيق بناء ما يفترض ان يبنى من زمن بعيد من تخطيط ورؤية جديدة ترى في المستقبل صناعة لا انتظار، انتظار لا يورث إلا الخلل والعطل والعطب والمراوحة وكأنها أصبحت قدراً محتوماً..!! 

المواطن كان يود ان يسمع من الوزراء الستة ذلك كله واكثر، وتوقع المواطن ان يحاط بأي رؤية مدروسة تتسم بالجرأة والشجاعة والوضوح حول كيفية معالجة أعباء الدَّين العام، والتحديات التي تواجه الموازنة العامة، والسبل المثلى لتنمية الإيرادات، والقرارات والمراجعات والتضحيات الوقتية او الدائمة المطلوبة من الجميع والتي لا بد ان تترتب عليها كثمن لا بد من دفعه لمواجهة واقع الحال الراهن كي لا نضطر الى دفع ما هو أفدح مما يمس الواقع الاجتماعي والمعيشي للمواطن من فئة «مهدودي» او «معدومي» الدخل، وتجعله تحت وطأة ما ليس بمقدوره ادراكه او استيعابه او تحمله في وضع لم ينجل غباره، وكأن هذا المواطن لا يكفيه صدمته من القرار المفاجئ برفع سعر البترول بنسبة 60.%، وهي نسبة عالية جداً، وعنصر المفاجأة هنا هو الذي دفع المواطنون الى التكالب على كل محطات الخدمة قبل ساعات من رفع الدعم في مشهد احسب انه مذل، وهو ذات الشعور حين جرى تداول موضوع رفع الدعم عن اللحوم، كان بودنا ان نسمع عن اي برامج مبتكرة من كل وزير او ما يخطط له في سياق اعادة هيكلة ما يمس أمور الناس الذين هم بحاجة الى من يطمئنهم بان أمورهم تدار بطريقة سليمة بعيدة عن أسلوب اللا تخطيط وتعتمد على الكفاءة في ادارة الشأن المالي وإدارة الاقتصاد وإخضاع كل أمر لاعتبارات الرشادة والكفاءة والقواعد التي تحكمها النزاهة والمساءلة والمحاسبة والمحاربة الفعلية الفعلية والابتعاد عن هياكل إدارية وأجهزة بيروقراطية تنشأ او تلغى..!! 

 أحسب أن المواطن فيما يخص اللقاء التليفزيوني لم يستقبل رسائل الطمأنة التي بثها الوزراء الستة عن الوضع الاقتصادي، وعن فرص العمل النوعية الجديدة للبحرينيين التي ستسهم في الارتقاء بالمستوى المعيشي للمواطنين، والمحافظة على نسب متدنية للبطالة، والقضاء على الفجوة بين المصروفات والايرادات خلال الدورات الثلاث القادمة للموازنة العامة للوصول الى نقطة التوازن، وتطوير الخدمات بما يواكب المتطلبات التنموية وبما يلبي تطلعات المواطنين والمستثمرين، وغير ذلك من الكلام الذى لم يأتِ بجديد، ولم يطرح ما كان يفترض ان يطرح في ظل وضع كهذا الذى نعيشه.. كلام يدل على وجود رؤية استراتيجية دقيقة كاملة ومتكاملة بعناصرها وتوضح للجميع الى اين نمضي، وما هي المسارات المطلوبة، وما هي الاولويات المحددة، ومعايير الكفاءة في تنفيذها، لذلك يظل المواطن على قناعة بان هناك توطئات لما هو آتٍ من اجراءات تقشفية صعبة، وهو يرى ان الوضع الاقتصادي الراهن سيتطلب تضحيات غير مسبوقة، وان وعود التطمينات بان المواطن لن يمس لا يجب ان تؤخذ من الآن فصاعداً على محمل اجد..!! فهذا المواطن امام حماوة الوضع الاستثنائي الذي يفتح الباب على ما هو اكثر استثنائية من هواجس وبواعث قلق، أظنه – رغم ان بعض الظن اثم – على استعداد لأن يتقشف وان يغير من نمط تفكيره وحياته، ويمكن ان يتفهم وان على مضض والى حد ما الجرعات التي تفرض عليه لشد الأحزمة، مقابل ان تتوقف مظاهر البذخ في مواقع هنا او هناك، وحين يرى أوجه الصرف والإنفاق توجه بشكل محسوب ومدروس، وحين تواجه مظاهر الخلل والخطأ بالحزم اللازم، وحين لا تتحول المشاكل الى أزمات وإيثارنا للحلول السهلة والهامشية، وحين تعالج الأمور بشكل مدروس، وحين يطبق الوزراء سياسات معلومة دون انتظار لتوجيهات أو أوامر عليا. وحين يكون هناك إصلاح إداري حقيقي يتعدى تجاوز الضائقة المالية ليضع أسس تقدم مستمر تتمكن فيه البحرين من ان تعمل بجد من اجل مستقبل افضل دون ان تشغلها الأزمات بين حين وحين وتفرض عليها أنصاف الحلول التي تقود الى أوضاع أصعب، ولا يجب ان يغيب عن البال ان الاصلاح المنشود لا يمكن ان يستقيم الا اذا استنار بهدف وطني بعيد المدى يشكل رؤية مستقبلية للبلاد.
 
 


الثلاثاء 26 يناير 2016