ماذا يعني ان يطالب بعض النواب الحكومة بان تعيد اليهم هيبة مجلسهم..!!
ماذا يعني ان يصرح اكثر من نائب بان «الحكومة تمشي اللي تبيه، واحنا نبربر والوزراء لا يفتحون آذانهم لنا».
وماذا يعني قول احد النواب: «التشريع سحب منا، والرقابة سحبت منا، ماذا نناقش، الاقتراحات برغبة، اننا نغرق في تقديم هذه الاقتراحات..؟!»
وماذا يعني قول نائب آخر وبالنص: «انه لا يرضى ان يكون بصاماً او شاهد زور على قرارات الحكومة، فإما ان تشاركنا الحكومة فعلاً في دراسة قراراتها والتوافق معها فعلياً عليها، وإلا فعليها ان تبعدنا عن الواجهة عند إصدار قراراتها..»!!
وماذا يعني ان يدعو احد النواب زملاءه بان يقفوا «وقفة رجال» ضد بعض القرارات الحكومية..!
ثم ماذا يعني كلام وزير لأحد النواب على خلفية سؤال للأول بالقول: بانه لن يرد، لأن الرد سيجعل النائب «يندم ويتحسف ألف مرة..»!!
وماذا يعني خبر قيام رئيس مجلس النواب شخصياً بعملية «خصومات في رواتب النواب المتغيبين والمتأخرين عن جلسات المجلس ولجانه»، وهي خطوة قال الخبر انها قوبلت باحتجاجات نيابية على هذه السياسة الجديدة..!!!
وأخيراً ماذا يعني أن يناشد رئيس مجلس الشورى نظيره رئيس مجلس النواب بإعطاء اهتمام أكبر بالتشريعات المكدسة في أدراج مجلس النواب، حتى يقوم كلا المجلسين بدورهما كسلطة تشريعية.
تلك عينة لأسئلة أخذنا علماً بها، وهي مطروحة على خلفية وقائع موثقة ومنشورة ويمكن الرجوع إليها والى غيرها في اي وقت، وقد طرحت في سياق كلام كثير قاله النواب، وهو كلام قد يدفع الى الظن، رغم ان بعض الظن إثم، الظن بان الوقت قد حان للاستنتاجات الكبيرة، ليس عن علاقة النواب بالحكومة رغم كل الكلام الطيب عن العلاقة التشاركية والتكاملية، ولا عن مستوى أداء النواب الذي عليه اكثر مما له، وكيف انهم مثلا رفعوا أصواتهم عالياً ضد رفع سقف الدَّين العام، اعترضوا وزايدوا وحذروا لنفاجئ بانهم وقد نكثوا وتراجعوا ووافقوا على رفع سقف الاقتراض الى عشرة مليارات دينار، كما ان هذه الاستنتاجات الكبيرة ليس عن الصلاحيات المفقودة لمجلس النواب، ولا كيف يحرف المجلس النيابي عن مسار عمله الطبيعي بإغراقه بالرغبات والاقتراحات والأسئلة، ولا عن كيفية ترميم العمل البرلماني وما يستوجبه ذلك من تجاوز مناظرات قانونية وخلافات مصلحية لا طائل تحتها ولا فوقها، ولا في مظاهر الخلل في تأدية العضو البرلماني لواجباته ومسؤولياته، ولا عن كيفية تحول الممارسة البرلمانية الى عمل شكلي يقطع العمل البرلماني إربا إربا، وتجعله خاضعاً في كثير من الأحيان لالتزامات ثقيلة تفرضها رغبات فوقية، ولا حول سبب تغييب هدف وضع مدونة للسلوك البرلماني، ولا عن القصور في الواجبات الرقابية بشكل صحيح، فضلاً عن الضعف في الأداء التشريعي، ولا عن سبل تأمين الشروط الموضوعية التي يمكن ان يتفق عليها النواب لتحقيق الهيبة التي ينشدونها، ولا اي شيء من هذا القبيل، وإنما عن التجربة البرلمانية برمتها وكيف بلغ الحال الى ما آلت اليه..
الهيبة لمجلس النواب مطلوبة، ولكن هذه الهيبة لا تمنح او توهب، ولكنها تفرض حين يكون للمجلس النيابي مواقف ومشاريع تنهض بالبلد وباقتصاده، وحين يحافظ على الوحدة الوطنية لأبنائه، وحين يكون معبراً عن إرادة المواطن وهمومه وتطلعاته، وحين ينضبط كل نائب في التصريحات، في المواقف، في الاهتمامات الجدية وليس الاهتمامات بالرغبات او الوشم، او تقاعد النواب وامتيازاتهم، الى آخر ما هو معلوم، ولا عن تغيبهم عن الجلسات واللجان وكأنهم يمارسون حقاً من حقوقهم، الوقوف عند واقع التجربة وتقييمها مطلوب وأمر ملح، وعناصر الإلحاح معلومة، يكفي ما يشعره البحرينيون تجاه واقع هذه التجربة ونظرتهم إليها، ونقدهم لها ولأداء النواب، يكفي ما كتب وما يتم تداوله في مواقع التواصل الاجتماعي وفي العديد من الندوات العامة التي انعقدت في الآونة الأخيرة، علاوة على ما قاله بعض النواب، كل ذلك يوصلنا الى خلاصة بان التجربة البرلمانية الراهنة تبدو وكأنها تائهة تبحث عن دور، عن مكانة، عن صلاحيات، وليس في ماذا قبل ماذا، ومن يقول ماذا لمن، ومن تحول الى «مداح» لا يعرف إلا المدح والإشادة، ومن ظهر وكأنه موظف علاقات عامة لهذا الوزير او تلك الوزارة، ومن يزايد على من في شأن ماذا، دون الاهتمام في البحث عن عمل برلماني حقيقي يلبي الطموحات بعيداً عن «بيزنطينيات» النصوص والعبارات المعتادة وكأننا في مسابقات إنشائية لا تتوقف، تجعلنا نراوح في مكاننا غير قادرين او غير راغبين في ان نفتح لهذه التجربة باباً، بل أبواباً، وان نبلغ ما يجوز الطموح اليه..
نعود الى الأداء البرلماني الراهن، هو لا يحتاج الى شرح يطول، وعليه من المآخذات مما هو ليس خافياً على اي متابع، يكفي القول ان كثير من المواطنين أبدوا سخطهم على هذا الأداء، تابعوا ما يكتب في الصحافة وفي مواقع التواصل الاجتماعي، رغم ان ثمة نواب في مستهل الفصل التشريعي الحالي كانوا قد بشرونا بأداء قالوا بانه سيكون نجم الموسم في سماء التجربة البرلمانية، فماذا كانت النتيجة والمحصلة حتى الآن، سوى ان العمل البرلماني بات بوضعه الراهن صورة من صور الهم العام..!!
المحصلة، انتم تعلموننها، لا نحتاج ان نذكركم بها، لن تغرينا البيانات والتصريحات او حتى الردود التي تقول عكس ما خلص اليه الناس من قناعات، هؤلاء الناس الذين ملوا من انتظار أداء برلماني معتبر لا يدور بنا في كل اتجاه إلا الوجهة الصحيحة، لا يخدش الهيبة والمقام، ولا يتعامل مع الناس وكأنهم حاجة انتخابية تستخدم كل اربع سنوات..!!
مهم ذلك الذي نطق به بعض النواب، وان كنا لا نحسب ان سيحرك المياه الآسنة في الواقع البرلماني الراهن، لذا لن يكون من الحكمة ان نطلب من اصحاب السعادة النواب ان يكونوا أبطالاً، فذلك فوق طاقتهم، ولكن نريد منهم فقط لا غير ان يكونوا نواباً بجد، ان يتمكنوا من إثبات انهم فعلاً ممثلون حقيقون للشعب على الرغم من كل شيء، رغم اننا وجدنا بعضهم وقد ظهروا وكأنهم ممثلون موهوبون يقومون بأدوار البطولة، ولكنها البطولة الكوميدية المملة التي شوهت العمل البرلماني، لا يكفي ان نستذكر كيف ان نواباً وفي نهاية الفصل التشريعي السابق وهم يتخلون طواعية عن جزء معتبر من صلاحياتهم حين كبلوا قيمة المساءلة والمحاسبة ووضعوا لها أغلالاً وقيوداً في حدث غير مسبوق في تاريخ البرلمانات في العالم، اذ انه بمقدورنا ان نستذكر ونستحضر ونستدعي الكثير من الممارسات التي أصبحت من فرط العشرة والصحبة من لزوميات اداء هزيل، او اداء يوصف بانه من تحصيل الحاصل لبعض النواب، بل لكثير من النواب.. وهو اداء يظل أضعف من ان يقنعنا..!!
هل بإمكان النواب مثلاً ان يتفقوا على استعادة صلاحياتهم كي يمارسوا الدور المسؤول المفترض في الرقابة والمحاسبة والمحاسبة، وهل بمقدورهم ان يتعاطوا مق تقرير ديوان الرقابة المالية والادارية بشكل مختلف، هل يمكن ان يكونوا اصحاب دور ومبادرات، هل يمكن الا يكونوا «ريموت كونترول» بيد احد، او بطانة لأحد، وان يتوقفوا عن الخلط بين الظاهر والباطن، والمعلن والخفي، وهل يمكن ان يتوقفوا عن الشعارات والأوهام والرغبات والمناشدات، والمزايدات، والمناقصات كذلك، وان يجعلوا للعمل البرلماني رونقاً يجعله يتمتع بكامل العافية والشجاعة، لا نعلم ما اذا كان ثمة جدوى من المراهنة على امكانية مواجهة المآخذات وخفض فاتورة التشوه في العمل البرلماني في الوقائع والتفاصيل، وتفاصيل التفاصيل بما ينسجم ولو مع الحد الأدنى من القيم البرلمانية الحقة، غير ان نقطة الخلاف حول جاهزية النواب والحكومة في القيام بهذه المهمة..!!
القضية نطرحها هكذا، بهذا الشكل الفظ، بعيداً عن التنظير، فقد سئم البحرينيون التنظير ومجوه بعد ان تحول مصدرا للضجر، فهل يتعلم النواب كيف يسيرون بالعمل البرلماني الى الأمام لا الى الخلف؟ تعلموا، المهم لا تتعلموا على حساب الشعب والوطن..!!
الثلاثاء 12 يناير 2016