هل اختفى النقد الأدبي والفني من حياتنا الثقافية العربية، أو أقلها أنه لم يعد يتوافر على المساحة التي كان يشغلها في حقب سابقة؟ ألا يبدو أن هذا النقد انكفأ إلى الجامعات والمعاهد العليا على شكل أطروحات لنيل الدرجات العلمية، ولم يعد فاعلاً في لفت الأنظار إلى الأعمال الإبداعية اللافتة؟
يمكن لنا أن نستعيد من التاريخ الأدبي المعاصر أمثلة تذكّر بالدور الذي كان النقد يضطلع به فيما مضى، فمثلاً، لم يكن الكثيرون قد سمعوا باسم الطيب صالح حين أصدر روايته الأولى «موسم الهجرة إلى الشمال» قبل نصف قرن، أو ربما أكثر، وكان يمكن أن تمر سنوات من دون أن يكتشف أحد أهمية هذه الرواية، التي تركت بصمة لن تزول في التاريخ الروائي العربي.
يومها تحدّث الناقد المصري الراحل رجاء النقاش عن كاتب شاب مغمور من السودان اسمه الطيب صالح قدم إضافة مهمة في السرد العربي، الروائي منه خاصة، في مناقشة العلاقة بين الشرق والغرب، وأنه لامس في هذا الموضوع منطقة لم يبلغها توفيق الحكيم في «عصفور من الشرق»، ويحيى حقي في «قنديل أم هاشم»، وسهيل إدريس في «الحي اللاتيني»، لأن هؤلاء جميعاً من آسيا أو شمال إفريقيا.
أما الطيب صالح لكونه جعل من البشرة السوداء لبطل روايته محوراً من محاور السرد، فإنه اقتحم قلعة من قلاع العلاقة المعقّدة بين الغرب الأبيض وإفريقيا السوداء، ملامساً بذلك مفصلاً أساسياً من مفاصل النظرة الكولونيالية الاستعلائية تجاه شعوب هذه القارة.
أمر آخر فعله رجاء النقاش مع الشاعر الشاب يومها محمود درويش الذي لم يكن أحد في العالم العربي قد سمع به أو برفيقيه سميح القاسم وتوفيق زياد وسواهم من أدباء أراضي فلسطين المحتلة في عام 1948.
يومها أصدر النقاش كتاباً نقدياً عن محمود درويش مثّل النافذة الأولى للقراء والنقاد العرب على ما عُرف يومها بظاهرة شعراء المقاومة، وما هي إلا سنوات قلائل حتى أصبحت دور النشر العربية تتسابق على طباعة دواوينهم وكتبهم النثرية.
كان النقد فيما مضى يحرص على اكتشاف الجديد واللافت، أما اليوم فتصدر أعمال مهمة لكتّاب لم يسمع بهم القراء من قبل، وتبقى على أرفف المكتبات أو في مخازن دور النشر ووزارات الثقافة في العالم العربي، من دون أن يدري عنها أحد، لكي لا نقول يقرؤها، لأن النقد تخلى عن مهمته، مكتفياً باللهث وراء الأسماء اللامعة وحدها.