عاشت
بلدان أمريكا اللاتينية حقباً زمنية مديدة من حكم الدكتاتوريات العسكرية
السوداء. ويمكن اعتبار «مبدأ مونرو» الذي أعلنه الرئيس الأمريكي جيمس مونرو
في صورة رسالة سلمها للكونغرس الأمريكي في 2 ديسمبر/كانون الأول 1823
ونادى بموجبه «بضمان استقلال كل دول نصف الكرة الغربي ضد التدخل الأوروبي»،
فصلاً جديداً في تاريخ بلدان أمريكا الجنوبية، حيث اعتبرت الولايات
المتحدة بلدان هذه القارة منطقة نفوذ أمريكية مغلقة على الأوروبيين الذين
استعمروها منذ القرن الخامس عشر، قبل أن يتولى الرئيس الأمريكي ثيودور
روزفلت في أوائل القرن العشرين تطبيق هذا المبدأ عملياً، حيث أرسلت
الولايات المتحدة جيوشها إلى جمهورية الدومنيكان في عام 1905، وإلى
نيكاراغوا عام 1912 وإلى هاييتي عام 1915. بيد أن الرئيس الأمريكي فرانكلين
روزفلت الذي امتدت ولايته من عام 1933 إلى 1945، استهل ولايته بالتعبير عن
اتباعه سياسة حسن الجوار مع بلدان القارة، وقام باستكمال سحب قوات بلاده
تدريجياً من الدول الأمريكية الصغيرة التي احتلتها، بالتوازي مع تنازل
بلاده عن امتيازاتها الخاصة التي انتزعتها لنفسها. ولكن الولايات المتحدة
سرعان ما عادت بعد الحرب العالمية الثانية إلى تطبيقات جوهر «مبدأ مونرو»،
من حيث اعتبارها أمريكا اللاتينية حديقة خلفية لها، بل اعتبرت معظم بلدانها
«جمهوريات موز»، استعارة للمصطلح الذي استخدمه لأول مرة كاتب القصة
القصيرة الأمريكي وليام سيدني بورتر (1862-1910) أو «أو. هنري» كما كان
يوقع أعماله، وذلك للإشارة إلى هندوراس في إحدى قصص مجموعته القصصية
القصيرة (ملفوف والملوك – 1904) التي جرت أحداثها في أمريكا الوسطى،
توصيفاً للحكومات الدكتاتورية التي تسمح ببناء مستعمرات زراعية شاسعة على
أراضيها مقابل الثراء الفاحش لحكام نظمها الفاسدة.
بلدان أمريكا اللاتينية حقباً زمنية مديدة من حكم الدكتاتوريات العسكرية
السوداء. ويمكن اعتبار «مبدأ مونرو» الذي أعلنه الرئيس الأمريكي جيمس مونرو
في صورة رسالة سلمها للكونغرس الأمريكي في 2 ديسمبر/كانون الأول 1823
ونادى بموجبه «بضمان استقلال كل دول نصف الكرة الغربي ضد التدخل الأوروبي»،
فصلاً جديداً في تاريخ بلدان أمريكا الجنوبية، حيث اعتبرت الولايات
المتحدة بلدان هذه القارة منطقة نفوذ أمريكية مغلقة على الأوروبيين الذين
استعمروها منذ القرن الخامس عشر، قبل أن يتولى الرئيس الأمريكي ثيودور
روزفلت في أوائل القرن العشرين تطبيق هذا المبدأ عملياً، حيث أرسلت
الولايات المتحدة جيوشها إلى جمهورية الدومنيكان في عام 1905، وإلى
نيكاراغوا عام 1912 وإلى هاييتي عام 1915. بيد أن الرئيس الأمريكي فرانكلين
روزفلت الذي امتدت ولايته من عام 1933 إلى 1945، استهل ولايته بالتعبير عن
اتباعه سياسة حسن الجوار مع بلدان القارة، وقام باستكمال سحب قوات بلاده
تدريجياً من الدول الأمريكية الصغيرة التي احتلتها، بالتوازي مع تنازل
بلاده عن امتيازاتها الخاصة التي انتزعتها لنفسها. ولكن الولايات المتحدة
سرعان ما عادت بعد الحرب العالمية الثانية إلى تطبيقات جوهر «مبدأ مونرو»،
من حيث اعتبارها أمريكا اللاتينية حديقة خلفية لها، بل اعتبرت معظم بلدانها
«جمهوريات موز»، استعارة للمصطلح الذي استخدمه لأول مرة كاتب القصة
القصيرة الأمريكي وليام سيدني بورتر (1862-1910) أو «أو. هنري» كما كان
يوقع أعماله، وذلك للإشارة إلى هندوراس في إحدى قصص مجموعته القصصية
القصيرة (ملفوف والملوك – 1904) التي جرت أحداثها في أمريكا الوسطى،
توصيفاً للحكومات الدكتاتورية التي تسمح ببناء مستعمرات زراعية شاسعة على
أراضيها مقابل الثراء الفاحش لحكام نظمها الفاسدة.
والحال أن السفارات الأمريكية في هذه
البلدان كانت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة مع
وفاة ورحيل الرئيس الأمريكي روزفلت، تحولت إلى مراكز عمليات لتشكيل وتأهيل
وتدريب ما صار معروفاً بالحرس الوطني، وهي جيوش يتم انتقاء عناصرها بعناية
فائقة لا تخطر على البال، من أجل ضمان ولائهم للأنظمة العسكرية الحاكمة
التي جرى تشكيلها تباعاً عبر موجة واسعة من الانقلابات العسكرية. وكانت
الباراغواي أولى بلدان أمريكا اللاتينية التي «شيدت» فيها الدكتاتورية
العسكرية، وكان ذلك في عام 1954، تلتها البرازيل في عام 1964، وبعدها
بأربعة أعوام الأوروغواي في عام 1968، وبعدها تشيلي في عام 1973، وفي
الأرجنتين وبوليفيا ودول أخرى لاتينية في عام 1976. وقدمت هذه الدكتاتوريات
التي حظيت برعاية وحماية ودعم الولايات المتحدة، للبشرية، أكثر النسخ
حالكة السواد في تاريخ دكتاتوريات العصر الحديث، من سماتها الاختفاء القسري
لمئات الآلاف والتصفية خارج القانون بالإلقاء في أعماق البحار من
الطائرات، والاغتيالات البشعة. وليست نسخة الدكتاتورية العسكرية التي
أقامها الجنرال أوغستو بينوتشيه في تشيلي في عام 1973 بمساعدة الأمريكيين،
الأبشع بينها كما يتصور البعض، فقد كان من الصعب التفريق بينها في مستوى
وأنواع البطش اللذين أجادتهما جميعها، من دون استثناء.
البلدان كانت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة مع
وفاة ورحيل الرئيس الأمريكي روزفلت، تحولت إلى مراكز عمليات لتشكيل وتأهيل
وتدريب ما صار معروفاً بالحرس الوطني، وهي جيوش يتم انتقاء عناصرها بعناية
فائقة لا تخطر على البال، من أجل ضمان ولائهم للأنظمة العسكرية الحاكمة
التي جرى تشكيلها تباعاً عبر موجة واسعة من الانقلابات العسكرية. وكانت
الباراغواي أولى بلدان أمريكا اللاتينية التي «شيدت» فيها الدكتاتورية
العسكرية، وكان ذلك في عام 1954، تلتها البرازيل في عام 1964، وبعدها
بأربعة أعوام الأوروغواي في عام 1968، وبعدها تشيلي في عام 1973، وفي
الأرجنتين وبوليفيا ودول أخرى لاتينية في عام 1976. وقدمت هذه الدكتاتوريات
التي حظيت برعاية وحماية ودعم الولايات المتحدة، للبشرية، أكثر النسخ
حالكة السواد في تاريخ دكتاتوريات العصر الحديث، من سماتها الاختفاء القسري
لمئات الآلاف والتصفية خارج القانون بالإلقاء في أعماق البحار من
الطائرات، والاغتيالات البشعة. وليست نسخة الدكتاتورية العسكرية التي
أقامها الجنرال أوغستو بينوتشيه في تشيلي في عام 1973 بمساعدة الأمريكيين،
الأبشع بينها كما يتصور البعض، فقد كان من الصعب التفريق بينها في مستوى
وأنواع البطش اللذين أجادتهما جميعها، من دون استثناء.
وهناك قصص وحكايات لا يزال المخفي منها أعظم مما كشفته الأيام حتى الآن
في «البطولات الخارقة» التي سطرها واحد فقط من بين العشرات من رجال السياسة
الأمريكيين في أمريكا اللاتينية. إنه جون ديميتري نيغروبونتي، الدبلوماسي
الأمريكي ذو الأصول اليونانية الذي عيَّنه الرئيس الراحل رونالد ريغان في
عام 1981 ليكون سفيراً لبلاده في هندوراس، بمهمة محددة وهي الإشراف على دعم
متمردي الكونترا ضد نظام الساندينستا الحاكم، حيث «ولغ في مهمته» لدرجة
التورط المباشر في فضيحة «إيران كونترا» التي كادت تطيح الرئيس ريغان نفسه.
واستجابة لتوصيات سابقة رفعتها اللجنة الخاصة بالتحقيق في الإخفاقات
الاستخباراتية التي أدت إلى أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، رشح الرئيس
الأمريكي جورج بوش سفيره لدى العراق المحتل جون نيغروبونتي في عام 2005
ليكون أول مدير للمخابرات الوطنية الأمريكية التي تشرف على مجمل عمليات
المخابرات في مختلف الوكالات الأمريكية. وفي عام 2007 تم إعفاؤه من هذا
المنصب الخطر وأسند له منصب القيام بدور الرجل الثاني في وزارة الخارجية.
وفي عام 1981 تم نشر دراسة حول ضحايا الدكتاتوريات السوداء في أمريكا
اللاتينية، جاء فيها أن 184 هندوراسياً اختفوا على يد «فرق الموت» التابعة
للجيش الهندوراسي التي قيل إنها كانت تتلقى الدعم والتدريب من وكالة
الاستخبارات المركزية الأمريكية ومن مستشارين أرجنتينيين كانوا مرتبطين بها
عبر نيغروبونتي. حتى إن بيرتا أوليفيا منسقة لجنة عائلات المعتقلين
المفقودين في هندوراس، لها تعليق مثير حينها على تعيين نيغروبونتي مديراً
للمخابرات الوطنية الأمريكية، ومفاده، كما نقل عنها، «إن تعيين نيغروبونتي
أمر محزن ورهيب. فبالنسبة إلينا الآن، بات الكفاح من أجل تسليط الضوء على
قضايا الإخفاء القسري أكثر صعوبة، ويا لها من صدفة أن يكون نيغروبونتي
سفيراً للولايات المتحدة في فيتنام وأمريكا الوسطى والعراق أثناء الحروب
فيها، ليأتي اليوم ويتولى هذا المنصب الرفيع!».
في «البطولات الخارقة» التي سطرها واحد فقط من بين العشرات من رجال السياسة
الأمريكيين في أمريكا اللاتينية. إنه جون ديميتري نيغروبونتي، الدبلوماسي
الأمريكي ذو الأصول اليونانية الذي عيَّنه الرئيس الراحل رونالد ريغان في
عام 1981 ليكون سفيراً لبلاده في هندوراس، بمهمة محددة وهي الإشراف على دعم
متمردي الكونترا ضد نظام الساندينستا الحاكم، حيث «ولغ في مهمته» لدرجة
التورط المباشر في فضيحة «إيران كونترا» التي كادت تطيح الرئيس ريغان نفسه.
واستجابة لتوصيات سابقة رفعتها اللجنة الخاصة بالتحقيق في الإخفاقات
الاستخباراتية التي أدت إلى أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، رشح الرئيس
الأمريكي جورج بوش سفيره لدى العراق المحتل جون نيغروبونتي في عام 2005
ليكون أول مدير للمخابرات الوطنية الأمريكية التي تشرف على مجمل عمليات
المخابرات في مختلف الوكالات الأمريكية. وفي عام 2007 تم إعفاؤه من هذا
المنصب الخطر وأسند له منصب القيام بدور الرجل الثاني في وزارة الخارجية.
وفي عام 1981 تم نشر دراسة حول ضحايا الدكتاتوريات السوداء في أمريكا
اللاتينية، جاء فيها أن 184 هندوراسياً اختفوا على يد «فرق الموت» التابعة
للجيش الهندوراسي التي قيل إنها كانت تتلقى الدعم والتدريب من وكالة
الاستخبارات المركزية الأمريكية ومن مستشارين أرجنتينيين كانوا مرتبطين بها
عبر نيغروبونتي. حتى إن بيرتا أوليفيا منسقة لجنة عائلات المعتقلين
المفقودين في هندوراس، لها تعليق مثير حينها على تعيين نيغروبونتي مديراً
للمخابرات الوطنية الأمريكية، ومفاده، كما نقل عنها، «إن تعيين نيغروبونتي
أمر محزن ورهيب. فبالنسبة إلينا الآن، بات الكفاح من أجل تسليط الضوء على
قضايا الإخفاء القسري أكثر صعوبة، ويا لها من صدفة أن يكون نيغروبونتي
سفيراً للولايات المتحدة في فيتنام وأمريكا الوسطى والعراق أثناء الحروب
فيها، ليأتي اليوم ويتولى هذا المنصب الرفيع!».
المفارقة أن الرئيس
الأمريكي باراك أوباما وأثناء مشاركته في قمة منظمة الدول الأمريكية التي
عقدت في شهر إبريل/نيسان من العام الماضي في بنما، قال صراحة أمام حشد من
قيادات منتدى منظمات المجتمع المدني إن «تلك الأيام التي كانت فيها أجندتنا
في هذا الجزء من نصف الكرة الأرضية التي تفترض أن بمقدور الولايات المتحدة
التدخل في بلدانه والإفلات من العقاب، قد ولت». فهل هذا تكرار لما سبق
وتعهد به الرئيس الأمريكي الراحل روزفلت، أم أنه مجرد تطمين اقتضته لحظة
اللقاء مع قادة مؤسسات المجتمع المدني اللاتينيين، سرعان ما ينساه خليفته
في البيت الأبيض بعد نحو عام؟
الأمريكي باراك أوباما وأثناء مشاركته في قمة منظمة الدول الأمريكية التي
عقدت في شهر إبريل/نيسان من العام الماضي في بنما، قال صراحة أمام حشد من
قيادات منتدى منظمات المجتمع المدني إن «تلك الأيام التي كانت فيها أجندتنا
في هذا الجزء من نصف الكرة الأرضية التي تفترض أن بمقدور الولايات المتحدة
التدخل في بلدانه والإفلات من العقاب، قد ولت». فهل هذا تكرار لما سبق
وتعهد به الرئيس الأمريكي الراحل روزفلت، أم أنه مجرد تطمين اقتضته لحظة
اللقاء مع قادة مؤسسات المجتمع المدني اللاتينيين، سرعان ما ينساه خليفته
في البيت الأبيض بعد نحو عام؟
د. محمد الصياد