كثيرة هي التهديدات المحدقة بالكوكب الأرضي وقاطنيه. وهي تتراوح بين التهديد الذي يطل برأسه بين مدة تطول أو تقصر ويتعلق بسقوط مذنبات أو أجرام سماوية على الأرض، وحدوث زلازل تفوق في قوتها طاقة احتمالها وأعاصير مصحوبة بفيضانات عارمة ومدمرة، وبين نشوب حروب تستخدم فيها الأسلحة النووية وبقية منظومة أسلحة الدمار الشامل، وانتشار أمراض وأوبئة غريبة وقاتلة، وأخيراً وليس آخراً سقوط أسلحة الدمار الشامل، وبضمنها السلاح النووي في أيدي تنظيمات إرهابية.
واللافت للمتابع للشؤون الدولية والتحديات الجدية التي تواجه الكوكب الأرضي التي تكاد دائرتها تضيق لتنحصر بين احتمالين لا ثالث لهما.. بين الاحتمال المستقبلي لاستمرار الحياة على الكوكب الأرضي و احتمال عدمه، أن جميع التهديدات سالفة الذكر، راحت تتقدم بوتائر متسارعة وغير مسبوقة لتصبح في ميزان نظرية الاحتمالات أقرب إلى معانقة الواقع منها إلى مجرد تحديات محسوبة العواقب تحوم من بعيد في مداراتها للإعلان عن نفسها كتهديدات قادمة تحاول تكسير الحواجز التي تعيق تقدمها واقترابها أكثر فأكثر من مبتغاها.
الكوارث الطبيعية صارت أكثر تجاسراً وسفوراً في الإعلان عن تحديها البالغ القوة لناموس انسياب الحياة البشرية الاعتيادي على الكوكب الأرضي. فراحت تتطاول وتقتحم مناطق جغرافية وسكانية كانت حتى وقت قريب بعيدة بُعد السماء عن الأرض عن استهدافاتها. وإزاء ذلك تتناب العالم نزعتان، الأولى تشُده نحو مزيد من النمو والازدهار الاقتصادي المندفع والمنفلت العقال، والثانية تنبهه إلى النتائج الخطيرة التي بدأت تطل برأسها جراء عدم الاكتراث بعواقب ذلكم الاندفاع. ويحاول قادة العالم الذين سيلتئمون أواخر هذا الشهر في باريس لإنشاء نوع من التوازن بين هاتين النزعتين.
إنما التهديد الذي راح يسابق تهديدات الكوارث الطبيعية، هو التهديد الإرهابي الذي بات يضرب في كل بقعة تقريباً من بقاع الأرض، وتحول بعض تنظيماته في لمح البصر إلى جيوش مكتملة العدة والعتاد، مندفعة كالصاروخ للقبض على أكثر أنواع الأسلحة فتكاً ودماراً واستخدامها بدم بارد دون الاكتراث للعواقب. في شهر يونيو/حزيران الماضي، ذكرت صحيفة «ناشونال انترست» الأمريكية، إن تنظيم “داعش” اكتسب القدرة على تطوير وإنتاج الأسلحة الكيماوية، وهو ما سيضيف بعداً جديداً ومثيراً للقلق على الصراع الدائر في سوريا والعراق، مستندة في ذلك إلى الكلمة التي ألقتها وزيرة الخارجية الأسترالية جولي بيشوب أمام منتدى دولي للحد من التسلح يعرف باسم «مجموعة أستراليا» قالت فيها إن «تنظيم داعش مستعد لاستخدام أي شكل من أشكال العنف الذي يمكنه من تحقيق هدفه، بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيماوية، وإن مجموعة أستراليا أخذت هذا الاحتمال على محمل الجد، خصوصا أن هذا التنظيم قام بالفعل بتجنيد المهنيين المدربين تدريباً عالياً من الناحية الفنية لتطوير الأسلحة الكيماوية، وأنه استخدم بالفعل الكلور كسلاح».
وفي أعقاب احتلال “داعش” لمحطة أسلحة الرئيس العراقي السابق صدام حسين الكيماوية (المثنى) الواقعة على بعد 150 كم شمال شرق بغداد، في شهر يوليو/تموز من العام الماضي، انتشرت عدة تقارير عن أن “داعش” استخدم قنابل من غاز الكلور على جوانب الطرق في هجمات ضد القوات العراقية، وقيل إن هذه القنابل أسفرت عن وقوع إصابات، ولكنها لم تسفر عن سقوط قتلى، وأفادت الأنباء أيضاً بأن سلاحاً مشابهاً استخدم ضد قوات البيشمركة العراقية الكردية في مارس/آذار الماضي. وقبل أيام وتحديداً في 29 أكتوبر/تشرين أول الماضي، ذكر ميخائيل أوليانوف، مدير دائرة شؤون عدم انتشار الأسلحة والرقابة عليها في الخارجية الروسية، في تصريحات لوكالة أنباء «تاس» الروسية، «بأن تنظيم”داعش” أصبح يتمتع بقدرات إنتاجية لتصنيع أسلحة كيماوية». موضحاً بأنه «لم يعد الأمر يقتصر على حالات استخدام تنظيم”داعش”للكلور في عملياته القتالية، فهناك أدلة دامغة على استخدام التنظيم غاز الخردل وربما اللويزيت، في وقت يتطلب فيه تصنيع هذه المركبات تكنولوجيات معقدة».
بمعنى أن المنظمات الإرهابية، لاسيما تنظيما “داعش” والقاعدة وتفريعاتهما، أصبحت قاب قوسين أو أدنى من امتلاك نوع أو أكثر من أسلحة الدمار الشامل. وإذا ما قُيض لها ذلك، فإنها لن تحتفظ بها كسلاح ردع كما تفعل الدول الحائزة لها، وإنما ستسارع دون أي تردد لاستخدامها على أوسع نطاق ممكن لإحداث أفظع تدمير ممكن أن تتخيله البشرية منذ أن خبرت تجربة هيروشيما وناكازاكي، وإصابة أكبر قدر من الدوي الإعلامي والنفسي والمعنوي، وذلك بغية خلخلة الموازين وهزّ نواميس الحياة العالمية، كما تُزين لها حماقاتها.
إنما الغريب في الأمر، أن العالم، وتحديداً الدول القائدة للنظام الدولي، لا تُظهر حتى الآن ما يوحي بجديتها في التعامل الخاص والطارىء مع هذا الخطر المحدق، هذا إن لم تكن غير مكترثة، على ما هو بائن على الأقل، لتزايد فرص وإمكانية تحققه. ويزداد الأمر غرابة مع مقاربة الولايات المتحدة لهذا الخطر، إذ تبدو، من خلال الرسائل الإعلامية التي ترد في خطاب مسؤوليها، وكأنها، لحسابات خاصة بها، تحاول التقليل من شأن قدرة الجماعات الإرهابية على اقتناء الأسلحة الكيماوية والأخرى ذات الدمار الشامل، فضلاً عن عدم اكتراثها بالاتهامات التي توجه من هنا وهناك للتنظيمات الإرهابية باستخدام بعض أنواع الأسلحة الكيماوية المصنعة بطريقة بدائية ولكنها تدميرية.
في المحصلة، سوف نجد تصعيداً ملحوظاً في وتيرة تنامي قدرة الجماعات الإرهابية للوصول لمبتغاها في اقتناء الأنواع «المتاحة في متناول السوق» من أسلحة الدمار الشامل..تصعيداً لا يقابله، في القوة والجدية، جهد عالمي مضاد لإحباطه وإفشال مسعاه. فنحن، بهذا المعنى، أمام عالم ينوء بثقل أسلحة الدمار التي تتحينه وتتصيد مصيره من دون أن يكون له أمل في النجاة من هذا الحتف الذي تتزايد احتمالاته.
حرر في: 13/11/2015