المنشور

لقاء لم يتم مع خالد البسام


منذ سنوات لم ألتق خالد البسام. آخر مرة التقينا كانت في معرض للكتاب بالبحرين، كان قد خرج للتو من معاناة مع المرض، وبدا لي ساعتها شاحباً ومرهقاً، لكن اتصالاته الهاتفية لم تنقطع عني أبداً. بين فترات متباعدة حيناً، متقاربة حيناً آخر كان يهاتفني. مرة قال إنه عاد قريباً من القاهرة التي أقام فيها في عمل مع دار نشر سعودية، ولكنه أنهى علاقته بالعمل وعاد إلى البحرين.
والقاهرة بالذات هي محطة جمعتنا في سنوات شبابنا المبكر، قبل أن نفترق، كل منا إلى جهة، حيث لم نمكث في المدينة إلا القليل، لكن علاقتي بخالد تمتد إلى ما قبل ذلك، حيث تزاملنا في مدرسة الحورة الثانوية مطالع السبعينات من القرن الماضي، وكنا نتشارك في إصدار مجلة المدرسة بإشراف أستاذنا الناقد أحمد المناعي أمدّ الله في عمره.

لم تكن المدرسة وحدها ما جمعنا. جمعتنا أشياء أخرى: كتب سلامة موسى ومكسيم غوركي، أشعار أحمد فؤاد نجم، كاسيتات الشيخ إمام، والاهتمام بالشأن الوطني العام، والحوارات والسجالات التي لاتنقطع حول كل ذلك.

في اتصالاته الهاتفية في الفترة الأخيرة كان خالد يلح علي أن نلتقي: دعنا نرتب لقاء قريباً، وكنا نتفق على الفكرة ويظل معلقاً تحديد الموعد، الذي لم يتم نظراً لانشغالات الحياة. وحين جاءني نبأ وفاته المفاجىء أمس الأول شعرت بندم كبير أننا لم نلتق، وللأسف الشديد لن نلتقي ثانية.

خلَّف خالد البسام رغم عمره القصير نحو ثلاثين كتاباً، وتراثاً كبيراً من المقالات الصحفية، وبين إصداراته روايتان «لا يوجد مصور في عنيزة»، و«مدرس ظفار» في الأولى تتبع حركة شخصياته من قلب الجزيرة العربية نحو البحرين والزبير وبومباي، وفي الثانية يحكي قصته عندما تطوع للعمل مدرساً فيما عرف ب«مدارس الثورة» على الحدود اليمنية – العمانية في السبعينات.

ويظل الإنجاز الأهم لخالد البسام هو كتبه حول الهوامش المنسية من تاريخ البحرين ومنطقة الخليج العربي، حيث عكف على جمع مادة واسعة حول تلك القضايا التي لا يلتفت إليها المؤرخون عادة، الذين ينكبون على تتبع الأحداث الجسام التي غيّرت مجرى هذا التاريخ من حروب وانقلابات وثورات، ولكنهم، في الغالب الأعم، يغفلون ما يمكن أن نصفه ب«هامش التاريخ» ونعني به تلك التفاصيل الكثيرة التي يبدو غالبها ذا طابع إنساني حميم، حتى لو لم تقع في بؤرة الواقعة التاريخية. 

لروح خالد البسام السلام.


 
12/11/2015