إحدى المعضلات التي يواجهها الباحث في التاريخ الثقافي – الاجتماعي لمجتمعات الخليج العربية، هي التحقيب المنهجي للمراحل، بمعنى تقسيم هذا التاريخ إلى حقب زمنية متتالية، واحدة تلي الأخرى، فمثل هذا التحقيب يساعد على بسط المادة موضوع الدرس وتسهيل معرفة ما الذي ميّز كل فترة زمنية عن الأخرى من خصائص وسمات.
تنشأ هذه المعضلة من حقيقة أن هذه المنطقة عاشت عزلة طويلة ممتدة، ما جعلها في حال من الجمود والثبات، أو أقلها بطء التحول، فلا نكاد نعثر ونحن ندرس تاريخاً ممتداً ما يمكن أن نعده تضاريس مختلفة يمكننا على أساسها أن نفصل بين مرحلتين: سابقة وتالية، بحيث نلحظ مظاهر تغيير ملموس يعتد به ويبرر مثل هذا التقسيم.
صحيح أن ثمة نزاعات وحروباً وحركة تنقلات للقبائل من منطقة إلى أخرى في إطار الإقليم الواسع الذي نعرفه باسم الخليج والجزيرة العربية، لكن لم يكن من شأن كل هذا أن يحدث نقلة نوعية تطال البنى الاجتماعية المستقرة التي ظلت عصية على التفكيك الذي يعتد به، حتى وإن طالتها تغيرات في المظهر الخارجي الذي لا يذهب عميقاً في العصب.
التحقيب الكبير الحاسم، لو ذهبنا بعيداً في التاريخ، هو ظهور الإسلام في جزيرة العرب بما أحدثه من انعطافة تاريخية وحضارية كبرى، حقّ للتاريخ نفسه أن يقسمها إلى مرحلتين: ما قبل الإسلام وما بعده، لكن ما أن انتقل المركز الحضاري العربي والإسلامي إلى الحواضر الأخرى مثل الشام وبغداد والقاهرة والأندلس، حتى عادت حال الثبات لتطبع أوجه الحياة في الجزيرة العربية.
يمكن للباحث في التاريخ السياسي لأسباب إجرائية بحتة أن يتحدث عن نشوء الدول الخليجية المستقلة بعد انتهاء عهد ما عرف ب«الحماية» البريطانية على بلدان الخليج العربي، التي لم تكن سوى النسخة الخاصة بهذه المنطقة من الاستعمار، بما قد يقابل الانتداب الفرنسي في البلدان العربية المشرقية، ويرى في ذلك تحقيباً لمرحلتين: ما قبل الاستقلال، وما بعده.
هذه النقلة ما كانت ستكون بالأهمية المتوقعة لو لم تترافق مع تحول دول الخليج جميعاً إلى بلدان منتجة ومصدرة للنفط، بالنظر إلى ما أحدثته عائدات هذا النفط من آثار حاسمة على مجمل التطور الاجتماعي في مجتمعات المنطقة.
هنا نشأت لحظة تاريخية تجيز لنا الحديث عما قبل وعما بعد، ما قبل النفط وما بعده.
حرر في: 08/11/2015